قضية التداخل اللغوي في عاميات الجزائر » عامية بوسعادة »–أنموذجا-(1) لعورموسى

تعد اللغة وسيلة هامّة في تحقيق التواصل بين الأفراد،لذا نجد المجتمع يرتبط بها أشدّ الارتباط،لأنّ وجود اللغة مرهونٌ بوجود من يرتضخها، فهي تمثّل كيان المجتمع وهويته، وبما أنّ اللغات واللهجات تعددت وتنوعت في العالم بأسره،

فقد أدّى ذلك إلى بروز ظاهرة الاقتراض اللغوي والازدواجية والثنائية اللغوية،وكذلك بما يسمى \”بالتداخل اللغوي\”، في المجتمع عامة، ولدى الفرد خاصة، لأنّ هناك الكثير من الاحتكاكات الحاصلة بين اللغة الأم واللغات الأخرى، انطلاقا من هذا نجد الجزائر-كأحد الأقطار المغاربية- قد تشكلت في محيطها مثل هذه الاحتكاكات بفعل الاستعمار المتعاقب عليها عبر السنين، مما أدّى إلى تمازج اللغات فيما بينها وتغلغل الدخيل الأجنبي، خاصّة في عامياتها، وهو ما أدّى إلى طرح مشكلة التداخل اللغوي.

من هذا المنطلق تأتي هذه الدراسة ،لتجيب على جملة من الأسئلة، لعلّ من أبرزها:
ما مدى تأثير التداخل اللغوي في اللغة العربية في الجزائر؟
أو بالأحرى: ما مدى تأثير اللغة الفرنسية على العامية الجزائرية ؟

ثم إنّه آثرنا دراسة العامية لاعتقادنا بأنّها تمثل مستوًى من مستويات اللغة العربية؛ الذي رانه وشانه هذا الخليط المجّ، ونظرًا لتعدد العاميات في الجزائر، فقد اخترنا \”عامية بوسعادة\” مجالا للدراسة التطبيقية.
1-تعريف التداخل اللغوي: تعريفه لغة: يعرّفه ابن منظور:[ التداخل هو الالتباس والتشابه ،وهو دخول الأشياء في بعضها البعض](2) و يعرّفه مجمع اللغة العربية في المعجم الوسيط [ ادّخل:دخل . واجتهد في الدخول (تداخلت الأشياء…التبست وتشابهت) ويقال تداخل فلانًا منه شيء خامره الدخيل من دخل في قوم وانتسب إليهم وليس منهم،والضيف لدخوله على المضيف،وكل كلمة أدخلت في كلام العرب وليس منه ](3)

2—تعريفه اصطلاحا: التداخل اللغوي ظاهرةٌ قديمةٌ عرفتها كل اللغات، مما جعل العرب قديمًا ينظرون إليها على أنّها حالة شاذة في اللغة العربية، ولهذا نجد ابن جني يقول:[ ألا تراهم كيف ذكروا في الشذوذ ما جاء على فَعل يَفعل نحو نعم ينعم …واعلم أنّ ذلك وعامته هو لغات تداخلت وتركبت ](4)

وفي موضع آخر، يشير ابن جني إلى أنّ تداخل لغتين ينتج عنه لغة مركبة سمّاها \”اللغة الثالثة\”إذ يقول:[وكذلك حال قولهم قَََََنَطَ،يَقْنُطُ،وإنّما هما لغتان تداخلتا وذلك أنّ قََنَطَ،يَقْنِطُ لغة ،و قَنَطَ،يَقْنُطُ ، لغة أخرى،ثم تداخلتا فتم تركيب لغة ثالثة ](5)

فالتداخل عند ابن جني حالةٌ موجودةٌ في اللغة نظرًا لاختلاف اللهجات العربية.
وكذلك وجدت تعريفات حديثة لظاهرة التداخل، من بينها تعريف\”وليام مكاي\” إذيعرفه بقوله:[ استعمال عناصر أو وحدات تنتمي إلى لغتنا أثناء حديثنا أو كتابتنا للغة الأخرى](6) و يعرفه أوريال وينريش ruriel weinruch ieبقوله:[ إدخال لعناصر لغوية ما من لغة إلى أخرى وتكون هذه العناصر دخيلة تمس البنية العليا لتلك اللغة ](7). ونجد \”اينرهوجن\”Einar haugen
يعرفه بأنّه:[ تلك المحاولة التي يقوم بها المتكلم لكي ينتج في اللغة الثانية أسلوبا لغويا يكون قد تعلمه في اللغة الأولى ](8)

كما يعرفه عبدا لرحمان الحاج صالح [ دخول الجمل في بعضها البعض، أو تفرّع جملة عن جملة أخرى ،أي وجود جملة فرعية داخل جملة أصلية](9)
وتكثر ظاهرة التداخل اللغوي عند مزدوج اللغة، بحيث يلجأ إليها بغية التخفيف من العبء الثقيل الذي يجده في لغته(10). وبالتالي يقوم بملأ الثغرات التي يصادفها في اللغة الأولى .
ثم إنّ مصطلح التداخل اللغوي قد تضاربت إزّاءه الترجمات،ففي اللغة الفرنسية نجد له ثلاث مصطلحات هي:
· التداخل اللغوي Interferance linguistique
· التأثير اللغوي Impact linguistique
· العدوى اللغوية contamination linguistique
· مظاهر التداخل اللغوي :تميّز الوضع اللغوي في بلادنا بالتعدديةأوالازدواجية والثنائية اللغوية(11) والتي كان لهما أثرٌ كبيرٌ في حدوث التداخلات اللغوية، سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات، إذ كان المتكلم يتعامل في حياته اليومية مع ثلاث مستويات أو أنماط هي\”العربية الفصحى-على درجة ضئيلة- والأمازيغية بمختلف فروعها(القبائلية والمزابية والتوارقية والشلحية) والدراجة العربية(العامية) بالإضافة إلى اللغات الأجنبية والتي على رأسها اللغة الفرنسية والتي نالت الحظوة القصوى من العناية إلى اليوم.
· إنّ التداخل اللغوي يمسّ كل مستويات اللغة (الألفاظ والأصوات،والتراكيب) مما يؤدي إلى انزياح دلالياتي،(12) ولعل أكثر المستويات عرضة لهذه الظاهرة ، مستوى الوحدات المعجمية ، لأنّ لكل لغة معجمها الخاص، ومن ثمّ يتعرض للتغييّر،وتضاف إليه وحدات أخرى ربّما جاءت نتيجة اختراع.
· لكنّ الفرد قد يضطر إلى إدخال كلمات من معجمات اللغات الأخرى حتى وإن وجد البديل عنها في لغته الأم، لأنّ تلك الكلمات تساعده على تحقيق الوظيفة التبليغية بشكل أفضل خاصة إذا تعلق الأمر بالمصطلحات العلمية والتقنية كأن يستعمل اللغة الفرنسية ظنا منه أنّها لاتعرف العجز اللغوي .
· كما يلجأ الفرد إلى اللغة الفرنسية عند اللجوء إلى اختصار بعض المسميات،لأن العربية لايتهيّأ لها اختصار العنوان الطويل في كلمة واحدة،بخلاف الفرنسية التي ينطق متكلموها الكلمات المختصرة بكل يسر وسهولة، مثل الكلمة المختصرة (F.L.N) .إذ يجد المتكلم بالعربيةصعوبة في نطقها بالحروف العربية(ف.ل.ن) والتي تعني:جبهة التحرير الوطني.
· ومهما يكن من أمر فإنّه يمكن تلمس مواطن التداخل اللغوي في عامية بوسعادة ، ولكن قبل الحديث عن هذاأو ذاك، لابد أولاً من الإشارة إلى بعض
الخصائص المميزة لهذه العامية .
· خصائص العامية البوسعادية : ولعل من أبرزها:
1- كسر معظم الأفعال والأسماء نحو:هِربت،لِعبت،حِليب ،عِمر…الخ
2-استبدال صوت(غ) بالصوت(ق) نحو :قدوا(غدا)،عين أقراب(عين أغراب)… الخ
3-توظيف الكاف أو اللام مكان-إذا-الشرطية مثل: كِتروح للمكتبة جِيبلي معاك لكتاب
هذا بالإضافة إلى التغيرات الصوتية التي حدثت أثناء تداخل اللغة الفرنسية بالعربية،ومرد ذلك إلى عاملين:
1-لجوء الناطق البوسعادي إلى استبدال صوت مقارب إلى الصوت الفرنسي بنظيره العربي مثل (Tب:ط) (Vب:ف) (Rب:ر)
مثل:photocopie(فوطوكوبي)
2-الخطأ في السماع يؤدي أحيانا إلى تشويه الصيّغ خاصة عند الكبار مثل :
سيسلفوا (وتعني وقف إطلاق النار) والأصل بالفرنسية:
Saisey le feu
كما أننا نلفي الظواهر الصوتية الآتية:
1-التقديم والتأخير مثل:(بَابَا) بتضخيم الباءين.
2-القلب المكاني:مثاله: شرفيطة والأصل:Fourchette
ظواهر التداخل اللغوي في عامية بوسعادة :
1-المستوى المعجمي: نجد زخما كبيرًا من الألفاظ الأجنبية مستعملة لدى متكلم العامية البوسعادية من ذلك مايظهر وفق الجدول الآتي-على سبيل المثال لا الحصر-:
الأصل الاستعمال الكلمة العامية
فرنسيapparai photo آلة تصوير ابراي فوطو
تركيzyrp أسرع إزرب
إيطالي-إسبانيhspital مستشفى إسبيطار

2- المستوى التركيبي:إنّ متكلم العامية البوسعادية يستعير اللفظ الأجنبي ثم يخضعه للتصريف العربي مع كل الضمائر والأزمنة ويلحق عليه الزوائد(السوابق و اللواحق) مع بعض التغييّرات الطفيفة أثناء الصياغة، مثاله:
*-في حالة الماضي(المفرد،المثنى،الجمع):
– المفرد(المذكر،المؤنث): مثاله: راني ديمونديت فِريت أملات
Demandit
الأصل:Demander
التغييّرات الطارئة:-حدث إبدال صوتي بين[E] والكسرة الطويلة العربية
-حدث إبدال صوتي بين[ض] والضمة الطويلة
-زيادة تاء الفاعل للجذر الأجنبي.
– المثنى والجمع: مثاله:في هذا العام سوفرينا بزّاف
Souffrina
الأصل:Souffrir
التغييّرات الطارئة:- حدث إبدال صوتي بين[O] والضمة الطويلة العربية
– حدث إبدال صوتي بين[R] والواو العربية
– حدث إبدال صوتي بين[I] والفتحة العربية
– زيادة نون الجماعة (الفاعل)
*-في حالة المضارع(المفرد،المثنى،الجمع):
. المفرد: مثاله:تعلمتي تبّوجي بزّاف .
الأصل: bouji
T\’bouji
التغييّرات الطارئة:- زيادة تاء المضارعة
– حدث إبدال صوتي بين[O] والضمة الطويلة العربية
– حدث إبدال صوتي بين[E] والفتحة الطويلة العربية
– المثنى والجمع: مثاله:ياله نفورصوها باه تقرا.
N\’forcoha
الأصل:forcer
التغييّرات الطارئة:- زيادة نون المضارعة
– حدث إبدال صوتي بين[c] والصاد العربية
– حدث إبدال صوتي بين[O] والضمة الطويلة العربية
– زيادة هاء المفعول به
– بناء الحرف الأخير على الفتح.
هذا بالإضافة إلى جمع الكثير من الكلمات الأجنبية جمعا مؤنثا سالمًا ، من ذلك:
– كاصيطات(cassitatte)، وكذلك جمع الكثير من الكلمات الأجنبية جمع تكسير من ذلك: زوفري(oufrier) ، بالإضافة إلى إبداع كلمات ممزوجة من العربية والفرنسية من ذلك:
– فهمتBien comme il fout,أي: فهمت جيّدا إذاً أعمل.
– رحت La route nationale وركبت في Taxiوصلتني لS.N.T.V ، أي: ذهبت إلى الشارع الوطني وركبت في السيارة .
الخلاصة:من خلال ماسبق ندرك أثر الدخيل الأجنبي في نظام تركيب عامية الجزائر واضحا، وبصفة خاصة في عامية بوسعادة،وهذا ينبأ بخطورة الظاهرة، لذا وجب التحسيس بهذه الخطورة من خلال:
– تبني الدولة \”سياسات واضحة تجاه اللغة الأم العربية\”،وذلك بالعمل على تنقية العامية-كخطوة أولية- من الدخيل الأجنبي وتطعيمها بالفصيح العربي ، وهذا لاعتقادنا بأنّ العامية هي المستوى الثاني للغة العربية ؛والمرتضخة بكثافة لدى المجتمع الجزائري، وقد أدرك هذا روّاد جمعية العلماء المسلمين الجزائرية ،من خلال تطعيم العامي بالفصيح كمانجد عند الشيخ \”البشير الإبراهيمي والأمين العمودي وغيرهما.
– توعية المجتمع بعدم ممارسة المزج في لغتهم الأم بمفردات أجنبية .
– تثقيف السياسة لا تسيّيس الثقافة، وهذا من خلال العودة إلى الثوابت ، والانعتاق من شرنقة الاستعمار،وتمكين اللغة العربية في مختلف الدوائر الرسمية .
-لقد لكئت ركابي وضربت صحابي وخرّقت ثيابي من هذه الرَطانات التي تلوكها ألسنة المثقفين فضلاًَ عن العامة، وهذا بحجة عدم التخصص في اللغة العربية،وقد أدّى بهم هذا إلى تقليد الآخر، والانسلاخ الحضاري، لذا علينا أن نعي أنّ اللغة هي أداة الأمة في الإفصاح عن عبقريتها، وإنّ الكاتب العظيم هو الذي تتسم لغته بالطابع الوطني الصميم.

(1)- بوسعادة: مدينة بالجنوب الجزائري ,
(2)-ابن منظور,لسان العرب،دار صادر،1968،بيروت.
(3)-مجمع اللغة العربية،المعجم الوسيط ،ط3،القاهرة1985،ج1،مطابع الاوفست،شركة الإعلانات الشرقية،ص248
(4)-ابن جني،الخصائص،ط3مصر،1986 الهيئة المصرية العامة للكتاب –،ص374-375
(5)- المصدر نفسه،ج1،ص380.
(6)-صخرة دحمان،ظواهر الاحتكاك اللغوي في سلوك الناطقين الجزائريين(الوسائل السمعية البصرية نموذجا) رسالة ماجستير،قسم اللغة العربية، 1998-1999
(7)-Uriel weinreich.landuages in contact.hallande:1967 finding and problems.la haye p148
(8)-Einar haugen.norwegian.in amrica .Philadelphia :1953 a study in bilingual university of Pennsylvania .vol 2 p374
(9)-يمينه شيتواح، التداخل اللغوي في اللغة العربية \”أثر الفرنسية على الصحافة الجزائرية\” ، رسالة ماجستير،قسم الترجمة.الجزائر،1996 ،ص7
(10)- p8 Einar haugen.norwegian.in amrica
(11)- احتدم النقاش في المشرق والمغرب حول مصطلحي الازدواجيةBilingualism والثنائية Diglossia ،والذي نختاره ماذهب إليه الدكتور عبدالرحمان الحاج صالح من أنّ الازدواجية هي العلاقة بين اللغة العربية واللغات الأخرى،أما الثنائية فهي العلاقة بين اللغة العربية و لهجاتها.
(12)- دلالياتي:نقصد الدلالة،فأضفنا إليها ياء النسبة.