قراءة في كتاب

قراءة في كتاب ” الملكية المغربية والفاعلين الدينين” لمحمد ضريف

يعتبر كتاب ” الملكية المغربية والفاعلين الدينيين “، الصادر باللغة الفرنسية خلال السنة الجارية (2010) عن إفريقيا الشرق، إسهاما جديدا من الأستاذ محمد ضريف في تقويم المشهد السياسي المغربي وتجلية دور العامل الديني في تحديد العلاقة بين مكوناته. يقع الكتاب في 247 صفحة من الحجم المتوسط ويتفرع على ثلاثة أقسام ومدخل وخاتمة تغطي جوانب الفعل الإيديولوجي والسياسي للإسلام السياسي وموقف الملكية، قطب الرحى في المشهد الديني/ السياسي للبلاد، من تفاعلاته وكذا سياسة الإدماج الرسمية و مدى قدرتها على احتواء التيارات الإسلامية الراديكالية.

إن الورقة التي بين أيدينا لا تغني عن قراءة الكتاب إذ أقصى ما تطمح إليه هو التعريف بفحواه وإبراز محاوره، ومن ثم فان الرجوع إلى الكتاب لقرائه في شموليته والوقوف بتأني عند محطاته و رصد منعرجاته لهو الكفيل باستيعاب مضامينه والسيطرة على تلابيبه.

مدخل

يبرز محمد ضريف في مدخل الكتاب جانبا من الإشكالية التي يروم معالجتها، حيث يرى أن النسق السياسي كيفما كان يقوم على بنيتين : الأولى تتكفل بتدبير قضايا الشأن العام في حيث تنهض الثانية بهمة التأطير الأيديولوجي والفلسفي لأعمال السلطة السياسية. أما الهدف الاسمي لكل نسق فيتلخص في تأمين الانسجام التام بين البنيتين. لكن الواقع هو على غير ذلك فيما يتعلق بالنسق السياسي المغربي الذي يكشف عن هوة تفصل بين البنيتين.

فالبنية الأولى، بنية التدبير، تتأسس على ممارسة علمانية تمتح من النموذج الفرنسي، ذلك أن الدستور المغربي يتناول الإسلام كدين وليس كسياسة. أما البنية الأخرى، بنية التأطير، فتتصف بتعددية المشروعيات المقومة للسلطة السياسية. هذه التعددية يفصح عنها الدستور المغربي الذي يقيم علاقات أفقيه بين المرجعيات مع تقليده الصدارة للمرجعية الدينية كاشفا بذلك عن وجه التناقض إزاء البنية الأولى، بنية التدبير، التي تكرس علمانية موقوفة التنفيذ.

يخلص الباحث في ختام هذا المدخل إلى أن سلوك الملكية في ظل نظام سياسي شبه علماني لا يمكن تجليته إلا بواسطة علاقاتها مع الفاعلين الدينين الآخرين. هكذا تتم معالجة ” الشأن الديني ” من طرف الملكية عبر ثلاثة مستويات: التمايز، التوظيف وإعادة التفعيل.

القسم الأول- التمايز: إستراتيجيتين مختلفتين

ينشطر هذا القسم إلى محورين، في الأول يتطرق الكاتب لعلمنة الإسلام، إذ يؤكد من خلاله أن الإستراتيجية الدينية للملكية المغربية تتمحور حول علمنة الإسلام، و يتجلى ذلك من خلال مؤسسة إمارة المؤمنين من جهة والسياسة الدينية من جهة أخرى (ص 13). فإمارة المؤمنين تحتل موقعا مركزيا في النسق السياسي المغربي على مستوى التدبير كما على مستوى الشرعنة. فهي تمثل من جهة وسيلة لتحديد الحقول الإستراتيجية المنوطة بالملك ومن جهة أخرى آلية لضبط العلاقات بين الدين والسياسة.

فبخصوص وظيفتها الأولى، أي كوسيلة، فتستشف من أحكام الفصل 19 التي تعرف بشكل واضح المجالات الثلاثة الإستراتيجية التي تدخل ضمن اختصاصات إمارة المؤمنين وهي شكل النظام السياسي، الحقل الديني واستمرارية الدولة.

– شكل النظام السياسي: باعتبار الملك رمزا للدولة، فله عموما صلاحية التصرف من خارج المؤسسات الدستورية

– الحقل الديني: فالملك باعتباره أميرا للمؤمنين يسهر على حماية الدين، هكذا مع إيراد كلمة دين بإطلاق لتشمل إلى جانب الإسلام اليهودية والمسيحية أيضا (ص14) .إن احتكار الملك لهذا الحقل الاستراتيجي يبرره الحفاظ على بيضة الأمة في إطار المذهب المالكي، و صيانة وحدة جميع مكوناتها سواء كانت إسلامية أو يهودية أو مسيحية (ص15).

– استمرارية الدولة: الملك باعتباره أميرا للمؤمنين هو الضامن لديمومة و استمرارية الدولة، لأنه رمز الدولة وضامن استقرار البلاد و وحدته الترابية.

أما بخصوص وظيفتها الثانية، أي كآلية، فان المؤسسة الملكية تتولى تحديد العلاقات بين الدين والسياسة ليس فقط على صعيد اتصالهما بل أيضا على صعيد انفصالهما. فعلى صعيد اتصالهما نجد إمارة المؤمنين تمتلك وحدها السلطتين معا السياسية والدينية.أما على صعيد انفصالهما، فتجدر الإشارة إلى أن:

– الدستور يحيل على الإسلام باعتباره عبادة وليس مصدرا للتشريع.

– الدستور يتمثل الدين في بعده العلماني، أي كعبادة وليس كمجموعة قواعد تنظم السلطة السياسية.

– الدستور يضع الدين في خدمة الدولة بتنصيصه على أن الإسلام دين الدولة. غير أن هذا لا يعني نفي الوجه العلماني، لان مقومات العلمانية تمنح للدولة قيمة مطلقة تخضع لها جميع العناصر الأخرى.

في هذا الصدد يؤكد محمد ضريف أن الآلية المتحكمة في تدبير الفصل بين الحقلين السياسي والديني تتمحور حول ترسانة قانونية مستوحاة من القانون الفرنسي والنموذج اليعقوبي للدولة. غير انه إذا كان الوضع واضحا على صعيد التدبير فانه مشوبا بالغموض على صعيد الشرعنة، مما يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلمانية المتبعة.

فيما يتعلق بالسياسة الدينية بالمغرب، يرى محمد ضريف أنها تخضع لما هو ثابت وما هو متغير

– الثابت: التوازن بين الإسلام الشرعي والإسلام الشعبي.

إحداث التوازن بين الإسلام الشرعي والإسلام الشعبي شغل مؤسسة السلطان الشريف، منذ انبثاقها في تاريخ المغرب على عهد السعديين (القرن 16)، فالغاية من التوازن هي جعل السلطان فوق كل الفاعلين الدينين الآخرين سواء أكانوا علماء ( أي ممثلين للإسلام الشرعي ) أو متصوفة ( أي ممثلين للإسلام الشعبي). كما أن المحافظة على هذا التوازن كانت تسندها اعتبارات موضوعية وأخرى ذاتية، فالاعتبارات الذاتية تمنح السلطان صفة الحكم وهذا يشكل مصدر شرعيته بالنسبة للإسلام الشعبي، كما تمنحه صفة إمام لكونه أميرا للمؤمنين وبالتالي فولاء البيعة الذي يتلقاه يشكل مصدر شرعيته بالنسبة للإسلام الشرعي (ص28). أما الاعتبارات الموضوعية فهي تتعلق بطبيعة الممارسة الدينية بالمغرب التي كانت تنحوا نحو نوع من القطيعة بين الإسلاميين الشرعي والشعبي. 

– المتغير: مواجهة الإسلام السياسي

مواجهة الإسلام السياسي تجسد واحدة من هذه المتغيرات، حيث تتم هذه المواجهة عبر جبهتين، الأولى بتعبئة الإسلام الشرعي ( ضم العلماء وإصدار الفتاوى المناوئة للتيار الإسلامي ) وترسيخ إسلام مضاد. والثانية عن طريق تبني الصحوة الإسلامية إما بطريقة غير مباشرة تتجلى في تنظيم ملتقيات دينية أو بطريقة مباشرة تتجلى في عقد الجامعة الصيفية للصحوة الإسلامية. في هذا الاتجاه يستنتج المؤلف أن الدوريات الأربعة الصادرة في مستهل حكم محمد السادس، يوم 4 يونيو 2000، استهدفت معارضة التيارات المعارضة للاعتدال والتسامح، غير أن عدم تطبيقها في شموليتها لا يعود إلى العوز في الكفاءات البشرية أو المالية، يل لكون السلطات ارتأت عدم فاعلية الإصلاح إن هو اقتصر على المتغيرات دون الثوابت ( ص32)

في هذا السياق يأتي تعيين احمد توفيق، ذي التوجه الصوفي، للحفاظ على التوازن بين الإسلام الشرعي والإسلام الشعبي، خلفا لعبد الكبير العلوي المدغري الذي اتهم بمحاباة الإسلام الشرعي على حساب الإسلام الشعبي.

في الشطر الثاني من هذا القسم يتطرق محمد ضريف لتسييس الإسلام كإستراتيجية مضادة اقترنت بديناميكية الإسلاميين و العلماء. و هو يقدر بان الترخيص للشبيبة الإسلامية جاء في سياق رد فعل النظام على الحضور المقلق للناصرية في الأحزاب السياسية والنخبة السياسية وحتى في صفوف الجيش (ص37 )، وان عبد الكريم مطيع أسس الشبيبة على جناحين : دعوي وعسكري

أما الدولة فكان تكتيكها إزاء حركة مطيع يسير في اتجاه ترويض قيادتها وذلك بعد نجاحها في اختراقها عبر بهاء الدين الأميري، أستاذ سوري بدار الحديث ومكلف بمهمة بالديوان الملكي، غير أن فشل هذا الخيار حمل السلطة على نهج تكتيك آخر يقوم على تغييب مطيع، عن طريق الإيقاف و الاعتقال، أي دفع حركته لارتكاب أفعال غير مشروعة. يؤكد ضريف أن هذا الافتراض يقوم على تبرئة الشبيبة من دم عمر بن جلون، ومع ذلك خلف حدث الاغتيال قطيعة أفقية في حركة مطيع، ذلك أن هذا الأخير بعد هروبه إلى الخارج واعتقال نائبه كمال إبراهيم، فشل في قيادة الحركة مما أدى إلى انهيارها التدريجي.

عكس الشبيبة الإسلامية المرتبطة الظهور بالناصرية، فان العدل والإحسان كان لظهورها ارتباط بالخمينية. فنظرية ولاية الفقيه المنبثقة عن الثورة الإيرانية كان لها رجع صدى في الأوساط الإسلامية السنية، حيث سيعمل ياسين من المغرب على صياغة الجواب حول شكل الدولة الإسلامية المراد بناءها والوسائل المشروعة لبلوغها، هكذا شكلت الخمينية الشرط العام لظهور العدل والإحسان أما الشرط الخاص فيتمثل في مواقف العلماء الآخذة في التشدد إزاء السلطة إذ ستعمل الجماعة على التقارب الموضوعي مع العلماء عبر حثهم على قطع علاقتهم مع السلطة والتعبير عن مؤازرتها لهم ( ص56).

لقد أكسبت الثورة الإيرانية العلماء فرصة الوعي بالذات، فالعالم لم يعد يتحدث بصفتها الشخصية بل تحول إلى فاعل سياسي يسعى إلى التأثير على السلطة. هذا التحول في وعي العلماء بات واضحا في مواقف جمعية خريجي دار الحديث الحسنية التي أخدت مند 1979 تنتج خطابا متمايزا عن خطاب السلطة (ص57).

القسم الثاني- التوظيف: تباينات الفاعلين الدينين

-Iالتضاد الإسلامي / الإسلامي

لا يتعامل المؤلف مع الحركة الإسلامية كتيار متجانس، حيث يميز بداخلها بين أربعة توجهات :الإسلامية المندمجة في مواجهة الإسلامية الاحتجاجية و الإسلامية النخبوية في مواجهة الإسلامية الشعبية.

-1 الإسلامية المندمجة في مواجهة الإسلامية الاحتجاجية

تجد الإسلامية المندمجة تعبيرها في حركة التوحيد و الإصلاح، و يرى محمد ضريف أن تقارب هذه الأخيرة مع النظام يرجع إلى البدايات الأولى لتشكيل الجماعة الإسلامية التي ستتحول فيما بعد إلى الإصلاح والتجديد ثم إلى حركة التوحيد و الإصلاح بعد نجاح الوحدة الاندماجية مع رابطة المستقبل الإسلامي .

إذ لم تكن أهداف الجماعة تختلف عن التنظيمات الدينية الرسمية كرابطة علماء المغرب والمجالس العلمية الجهوية، كما ساهمت الجماعة في إنجاح برامج تسير في خدمة الإسلام الرسمي كما حصل إبان تنظيم الدورة الثانية للجامعة الصيفية للصحوة الإسلامية. غير أن هدا التقارب الموضوعي مع السلطة، الذي أجبرها على إعادة إنتاج الإسلام الرسمي عبر رسم الحدود بين الدين والسياسة، لم يمكنها من ضبط علاقاتها مع السلطة.

هكذا ستعمد السلطة على رفض الترخيص لحزب التجديد الوطني، عام 1992، بحجة تعارض أدبياته مع القوانين المعمول بها. غير أن محمد ضريف يرجح أن يكون قرار المنع نابعا من تخوف السلطة من تراجع القاعدة الشعبية للإصلاح والتجديد، فالنظام حسب رأيه لم يكن يحتاج إلى تنظيم سياسي بل إلى تنظيم إسلامي قادر على ضبط التوازن في الحقل الديني (ص 82).

قرار المنع سيحمل الحركة على التفكير في الاندماج في حزب قائم وهو ما تحقق عام 1996 بالانضمام لحزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، هذا الانضمام سيتم إقراره وتعزيزه حتى بعد الوحدة الاندماجية مع رابطة المستقبل الإسلامي، لتستمر بذلك ” الإستراتيجية الانتخابية ” في الهيمنة على برنامج الحركة الوليدة، حركة التوحيد والإصلاح. يرى الباحث أن “الإستراتيجية الانتخابية ” للتوحيد والإصلاح تروم مواجهة ” إستراتيجية القومة ” للعدل والإحسان، الإستراتيجية التي نظر لها عبد السلام ياسين مبرزا شروطها ومقوماتها ومحددا مفهومها للعصيان المدني الذي يتنافى مع مفهوم العنف كما هو شائع في الفكر الثوري.

-2 الإسلامية النخبوية في مواجهة الإسلامية الشعبية.

إذا كان محمد ضريف قد صنف العدل والإحسان في الفقرة السابقة ضمن الإسلامية الاحتجاجية، فانه جعل منها هنا التجسيد الفعلي للإسلامية الشعبية. أما الإسلامية النخبوية، التي تقابلها بل وجدت لمعارضتها، فتتجسد في حركتي البديل الحضاري والحركة من اجل الأمة المنبثقتين عن الشبيبة الإسلامية دون أن يكون لهما امتداد شعبي. يقدر الكاتب أن الإسلامية النخبوية تعيد إنتاج خطاب اليسار الإسلامي وان إسهامها الإيديولوجي يتجاوز إسهامها السياسي مع تبني خطاب يتماهى مع الخطاب العلماني الديمقراطي (ص 92).

-IIالسلفية ضد الإسلامية

كانت أفكار ابن تيمية التي تستند عليها الوهابية معروفة بالمغرب حتى قبل ظهور الوهابية، كما أن السلطان محمد بن عبد الله (1757 – 1790) كان معروفا بنزعته السلفية، تلك النزعة التي تضاربت الآراء حول مصدرها فهناك من قائل بأنها ثمرة تأثره بالأفكار التي كان يحملها الحجاج من الأراضي المقدسة، في حين يرى آخرون أنها حصيلة اجتهاده الخاص. مهما يكن فان محمد بن عبد الله سيعمل على توظيف الوهابية لمواجهة الأخطار الخارجية المتمثلة في أوربا الكاثوليكية والإمبراطورية العثمانية، وسيتخذ هذا التوظيف شكلين :

– إيديولوجية تعبوية: لتعبئة الشعب ضد الوجود الأوروبي وتهيئة السند الشعبي لإعلان الجهاد وتحرير الثغور المحتلة على السواحل.

– إيديولوجية تكريس الالتحام: لمواجهة الخطر العثماني الرامي إلى إلحاق المغرب بالإمبراطورية العثمانية بحجة وحدة السلطة الإسلامية ووحدة الدولة. حيث وجد المخزن، الذي كان يؤسس شرعيته على الانتماء النبوي، في الوهابية التي ترفض السلطة الغير العربية وتنتقد العثمانيين وتدعوهم لتطبيق الشريعة، ما يعزز شرعيته (ص112).

أما عهد المولى سليمان فسيشهد الولوج الرسمي للوهابية، وذلك من خلال الرد الايجابي للسلطان على دعوة القيادة الوهابية إليه، عام 1811، لتبني القيم الوهابية، حيث سيذهب المولى سليمان إلى إقرار الوهابية كإيديولوجية أرثوذكسية وإيديولوجية احتكارية. يتجلى الجانب الأرثوذكسي في طبيعة حكم المولى سليمان، حيث عرف عنه إحاطة عرشه بالعلماء والأخذ بمشورتهم، كما كان همه أن يجعل للإسلام مكانته في الدولة واجتهد في إحلال الشرع محل العرف مما سيثير النظام القبلي الذي سيعبر عن معارضته بواسطة “السيبة “.

يرى محمد ضريف أن تطبيق الشريعة كان بمثابة حيلة سياسية لتفكيك المؤسسة القبلية، إذ كانت السلطة تعي بان القضاء على القبائلية (النظام القبلي) يستلزم محاربة” السيبة ” عبر محاربة العرف بصفته نظام للحماية. في هذا الإطار سيتم استدعاء التوظيف الأخر للوهابية أي الجانب الاحتكاري فيها، ذالك أن العداوة المتبادلة بين السلطان والقبائل كانت تجعل سياسة المخزن تتخذ ثلاثة صور :

– سياسة المواجهة التي أثبتت فشلها بعد هزيمة المولى سليمان في معركة آصروا عام 1810

– سياسة الترحيل والتقسيم التي تقوم على تقسيم القبيلة المنهزمة بترحيل جزء منها.

– سياسة التحالف التي تقوم على إبرام التحالفات بين السلطان وقبائل السفح في مواجهة قبائل الجبال المتمردة.

فشل هذه السياسات حمل المولى سليمان على هجرها وتحويل الصراع مع القبائل من الحقل السياسي إلى الحقل الديني عبر توظيف الوهابية كإيديولوجية احتكارية، و من ثمة غدا يهاجم النظام القبلي من الداخل بمحاربة العرف وتكفير القبيلة (ص 117).

ومع بداية القرن 19، سيشهد الوسط الديني والثقافي المغربي جدلا بشان تبني أو رفض الوهابية، ورغم تخوفات سلطات الحماية من استثمار الوهابية من طرف الحركة الوطنية، فإن الفكر الوهابي سيعرف انطلاقته الجديدة بالمغرب على يدي تقي الدين الهلالي و يتعزز مساره من بعده على يدي عبد الرحمان المغراوي. ليأتي بعد ذلك الاحتضان الرسمي للوهابية لمحاصرة التيار الإسلامي، وذلك بوسيلتين:

1 – استبدال شعب الدراسات الإسلامية بشعب الفلسفة في عدد من الجامعات المغربية, وحث عمداء الكليات ضمنيا على دمج خريجي المعاهد السعودية في سلك الأساتذة، هكذا أضحت شعب الدراسات الإسلامية مواقع لاحتضان ونشر الفكر الوهابي.

2- إقامة تحالف بين السلطة والعلماء (الوهابيين) لنزع الشرعية عن التيارات الإسلامية. هدا التوجه تبرره قدرة الوهابيين الكبيرة على مواجهة صوفية العدل و الإحسان وكذا جنوح السلطة لكبح أفكار الثورة الإسلامية الإيرانية.

في هذه المرحلة تضافرت الكتابات الوهابية في خدمة هذف واحد هو مهاجمة العدل و الإحسان وتكفير مرشدها عبد السلام ياسين. يأتي في هذا السياق كتاب ” الإحسان في إتباع السنة والقران لا في تقليد أخطاء الرجال” لعبد الرحمان المغراوي الذي خصص منه خمس محاور في نقد أفكار ياسين, حيث يرى المغراوي بان الدفاع عن السلفية لا يستقيم إلا بإعلان الحرب على الصوفية، ويخلص إلى أن الفكر الثيولوجي لياسين لا علاقة له بالإسلام لأنه يستند على منهاج صوفي يصطدم مع المنهاج النبوي (ص 114) . وإذا كان المغراوي قد محور معركته ضد ياسين وجماعته حول الجانب العقائدي فان محمد بن صالح الغربي، تلميذ تقي الدين الهلالي، قد أردفها بالجانب السياسي عبر تأصيله لعدم شرعية العصيان المدني إذ يرى أن ياسين فتح باب الفتنة بدعوته المؤمنين السذج للعصيان وان منهاجه يقوم على الخداع و الحقد و الغش إزاء مسلمي هدا البلد الآمن.

يرى محمد ضريف أن معركة الوهابية ضد الإسلامية انتهت بإفراز نقيضها، السلفية الجهادية التي تجعل العصيان السياسي ابرز أسسها.

القسم الثالث- إعادة التفعيل :القدرة على الإدماج

يتناول محمد ضريف في هدا القسم ظاهرة التطرف الديني في المحور الأول ثم سياسة الدولة لاحتوائه في المحور الموالي.

-Iاختلال التوازن: بزوغ الراديكالية الدينية

بزوغ الراديكالية الدينية و ذلك في شقيها الإسلامي المتطرف و السلفي. فبخصوص الشق الأول، يؤكد المؤلف على أن شبكة التيارات الإسلامية المتطرفة تتقاطع على الفكرة القائلة بأن الصراع ضرورة سياسية و وسيلة لإقامة الدولة الإسلامية باعتباره آخر خيار لإجبار الأنظمة، على الأقل، على الانحياز لمبادئ الإسلام. يتمثل هذا التيار في الاتجاه القطبي الذي يتقوم بمبدئي الحاكمية و الجاهلية وفي اتجاه الأفغان العرب الذي كان يحتضن عددا من المغاربة. و ذلك على النقيض من السلفية الجهادية التي تتأسس على إيديولوجية تؤمن بالقتال كواجب ديني وليس مجرد ضرورة سياسية كما يوحي التيار الإسلامي الراديكالي.

يتصدى محمد ضريف لموضوع السلفية الجهادية عبر مناقشة أسسها الإيديولوجية من جهة و رصد هيكلها التنظيمي من جهة أخرى. إذ يرد انبعاث فكرها لحضور القوات الأمريكية بالأراضي المقدسة لمحاربة العراق غداة ضمه للكويت. و هو الحدث الذي كان له الوقع الكبير على التيار الوهابي الذي تعرض للشرخ حيث سينبثق منه تيارا رافضا لهذا الوجود وداعيا لمقاتلته. هذا التيار سيشتد عوده بفضل أسامة بن لادن الذي سيعمل على تفعيل الإيديولوجية السلفية الجهادية. الإيديولوجية التي سيتردد فكرها بالمغرب من طرف عدد من السلفيين من مثل : عبد الكريم الشاذلي ومحمد الفزازي (ص 154-155)، و التي ستعبر عن نفسها تنظيميا من خلال الجماعة المغربية المقاتلة.

يواصل الكاتب استعراضه لموضوع السلفية الجهادية و يؤكد بأن تأسيس الجماعة المغربية المقاتلة يرتبط بشكل مباشر بوجود مقاتلين مغاربة بأفغانستان من جهة وبالإستراتيجية الجديدة لبن لادن من جهة أخرى. إذ سيقتنع بن لادن، بعد عودته لأفغانستان، عام 1996، بتحويل أفغانستان إلى معقل خلفي لقلب عدد من الأنظمة العربية والإسلامية. وقد نجح في عقد التحالف مع الملا عمر( زعيم الطالبان ) الذي أدى له البيعة عام 1998 و من ثم الانطلاق في إعادة بنينة منظمته لتحقيق الالتحام الداخلي عن طريق إشاعة السلفية بين الأفغان العرب. فالبحث عن الالتحام سيفرض إعادة النظر في مفهوم ” المسلم الحقيقي” الذي يجب أن يكون قبل كل شيء سلفي ثم يؤمن بممارسة الجهاد، و الجهاد هنا ليس جهاد النفس أو الشيطان بل جهاد الكفار عن طريق العمل المسلح.

هكذا صارت السلفية قاسما مشترك لأتباع بن لادن الذي لم يكن يجمعهم من قبل سوى الجهاد ضد لاتحاد السوفيتي. كما أن بن لادن لم يعد يكتفي بصفته زعيما للأفغان العرب بل يطمح ليصبح زعيما للسلفية الجهادية من خلال تجسير الهوة بين السلفية الجهادية وتيار الأفغان العرب، لتمتد سلطته لتشمل كل سلفيي العالمين العربي و الإسلامي و أوربا. في هذا السياق ستدشن الإستراتيجية الجديدة لبن لادن مسارا آخرا يتمثل في تأسيس منظمات قطرية لاستقطاب سلفيين من خارج الأفغان العرب, وهو المسار الذي انطلق في أواخر التسعينات و أفضى بالمغرب إلى ظهور الجماعة المغربية المقاتلة.

ستركز هذه الجماعة في بداياتها الأولى على تقديم الدعم اللوجستيكي للقاعدة، غير أن أحدات 11 شنبر 2001 و انضمام المغرب للتحالف الدولي ضد الإرهاب الذي توج بتفكيك خلية نائمة للقاعدة عام 2002 وتدشين حملة اعتقالات طالت عددا من رموزها ومجموعاتها, ستميل إلى أسلوب العمليات الانتحارية و إخضاعه لآلة التنفيذ يوم 16 ماي 2003 بالدار البيضاء.

يقر محمد ضريف بشح المعلومات بخصوص هذه الجماعة، و يرجع ذلك إلى طبيعة بنائها التنظيمي وقدرتها على التمويه, حيث ينشط أعضائها في إطار مجموعات صغرى وخلايا معزولة تكون الروابط فيما بينها متبلدة ومحكومة بالسرية التامة لدرجة أن لكل مجموعة أمير خاص هو المسئول المباشر عنها. ويتصرف أفراد هذه الخلايا بصفتهم أعضاء في تنظيم مستقل كليا بذاته و هذا ما يلمس من مجموعة يوسف فكري و مجموعة عبد الوهاب الرباع. (ص691).

II – في البحث عن التوازن : ما بعد 16 ماي 2003

يذهب محمد ضريف إلى أن أحدات 16 ماي 2003 أجبرت السلطات على بلورت إستراتيجية دينية جديدة تهدف إلى جعل الفاعل الديني “لا مسيس جزئيا”. وهو الاقتناع الذي سيدافع عنه عبر دراسة موقع الفاعلين الدينيين في الإستراتيجية الدينية و موقفهم من الحاجيات السياسية الجديدة.

-1 الفاعلين الدينيين في الإستراتيجية الدينية : حتمية اللا تسييس الجزئي

تقوم هذه الإستراتيجية التي يأطرها الخطاب الملكي, ليوم 30 أبريل 2004 , على بلورة حقل ديني شبه مغلق من جهة و التمييز بين ” منزلة ” دينية و ” دور” سياسي من جهة أخرى.

إن بلورة حقل ديني شبه مغلق يتم عبر إعمال آليتين, الأولى تروم وضع حد للفاعلين الدينيين الناشطين خارج إطار السياسة الدينية الرسمية, في هذا السياق تقرأ قرارات إلحاق مؤسسة العلماء بالملك عن طريق تحويل رابطة علماء المغرب إلى الرابطة المحمدية للعلماء, ووضع هيئة خاصة للإفتاء ,وإخضاع الراغبين في ممارسة وظيفة الإرشاد الديني لمجموعة من الإجراءات الإدارية. أما الثانية فتقوم على الانفتاح على الفاعلين الدينيين ” الشعبيين”, أي المنتمين للتيار الإسلامي و التيار السلفي التقليدي, ودلك لحاجة السلطة لأطر دينية متمرسة وكذا لرد الاعتبار للخطاب الرسمي (ص 177).

بخصوص المقوم الثاني للإستراتيجية الدينية أي التمييز بين ” المنزلة ” و “الدور” يرى محمد ضريف بان الإستراتيجية المذكورة لا تمنع الفاعل الديني من القيام بادوار سياسية لكنها تمنعه من التحول إلى فاعل سياسي. إذ صارت تفرض على كل فاعل ديني الاندماج في المشروع المجتمعي للملك, هذا الاندماج الذي لن يكون فعالا إلا في إطار لا تسييس جزئي, و ذلك بدعوته لمواجهة التيارات الدينية المستوردة و تحصين المكونات الثلاثة للهوية المغربية ( المذهب المالكي, العقيدة الأشعرية و التصوف السني ) و الدفاع عن إمارة المؤمنين باعتبارها دعامة الأمن الروحي للمغاربة.

فدور الفاعل الديني لم يعد يقتصر على التنمية الروحية بل تعداه ليشمل أيضا التنمية الوطنية عن طريق تعميق الاندماج الوطني و حب الوطن و تشجيع الإنتاجية الايجابية, كما انه صار على الصعيد الدولي يتوقف على إدراك خصوصيات البيئة الدولية و تبني خطاب حول الإسلام ينهض على التسامح و الاعتدال (ص9 17).

-2 الفاعلين الدينيين وإشباع الحاجيات السياسية الجديدة : مقتضيات التسييس المفروض

إشباع الحاجيات السياسية الجديدة بعد تفجيرات 16 ماي 2003 تفرضها مقتضيات الشرعية بالنسبة للفاعل الصوفي و السلفي و مقتضيات المشاركة السياسية بالنسبة للفاعل الإسلامي.

– مقتضيات الشرعية: الفاعل الصوفي و الفاعل السلفي

رغم المفارقات المذهبية بين الفاعل الصوفي و الفاعل السلفي فقد صارا مطالبان بعد 16 ماي 2003 , كل بحسب طبيعته, بتأمين الشرعية الدينية للملكية.

بالنسبة للفاعل الصوفي, فان تعين احمد توفيق على رأس وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية, يوم 07 نونبر 2002, يعتبر بمثابة إشارة قوية في اتجاه رد الاعتبار للتصوف بصفته مقوم رئيسي للهوية الدينية المغربية. كما شكلت الطريقة البودشيشية محط أنظار السلطة, إذ ستعيد تحديد مجال عملها, بعد أحدات 16 ماي, التي فرضت عليها مستوى من التسييس. فدورها لم يعد يقتصر على الجانب الداخلي ( تطهير النفس) بل سيتعداه إلى الجانب الخارجي ( الدفاع عن مصالح البلد مثل الوحدة الترابية, الاستقرار السياسي و السلم الاجتماعي ). هذا الدور الجديد للتصوف هو الذي يبرر الخروج الإعلامي للشيخ حمزة, خلال صيف 2005, للرد على الانتقادات الموجهة للملكية.

أما فبما يتعلق بالفاعل السلفي, فإن الهزة التي تعرضت لها الوهابية في موطنها الأصلي, العربية السعودية, غداة حرب الخليج الثانية كان لها رجع صدى في الوسط الوهابي بالمغرب, حيت سينسلخ عنها التيار الجهادي بقيادة محمد الفزازي في حين سيبقي التيار التقليدي يخضع لتوجيه محمد بن عبد الرحمان المغراوي. كان هذين التيارين مجتمعين في العداء للتيار الإسلامي لمبررات مذهبية بحتة. لكن بعد أحدات 16 ماي 2003، أجبر التيارين معا على ممارسة نوع من التسييس لإدارة التناقضات المستجدة.

التيار السلفي الجهادي, بعد حملة الاعتقال التي طالت أعضائه و منظريه , انتهى إلى التعبير عن نبذ العنف على الصعيد العملي و نبذ التكفير على الصعيد المذهبي. كما يندرج الإصرار على براءتهم من الأحداث الدموية في سياق الرغبة في استعادة دورهم السابق على أحدات 16 ماي و ذلك في تطابق تام مع السلطات و في إطار مقاربة اكتر تسييسا. أما التيار السلفي التقليدي فأضحى مطالبا بمراجعة علاقته بالمؤسسة الوهابية السعودية و التفاعل الايجابي مع التطورات الجديدة المتمثلة في رفض إيديولوجية السلفية الجهادية و الطعن في الحركة الإسلامية الاحتجاجية الممثلة في العدل و الإحسان على المستوى المذهبي كما على المستوى السياسي.

– مقتضيات المشاركة السياسية :الفاعل الإسلامي.

إذا كانت الحاجيات السياسية الجديدة قد أرغمت الفاعل الصوفي و السلفي على التعاطي مع مقتضيات الشرعية فإنها أرغمت الفاعل السياسي على التعاطي مع مقتضيات المشاركة السياسية، ذلك ما يتجلى في مباشرة نقد ذاتي كما هو حال الشبيبة الإسلامية وفي خلق حزب سياسي كما هو حال العدل و الإحسان (ص184).

جسدت الشبيبة الإسلامية الفاعل السياسي المتطلع إلى اقتحام الحقل السياسي بمباشرة نقد ذاتي يفتح الباب أمام المصالحة الوطنية. لقد شكلت وفاة الحسن الثاني محطة للشبيبة للتعبير عن حضورها ومغازلة العهد الجديد عبر التعبير عن رفض العنف وتوظيف المسالة النسائية بالتعبير عن امتعاضها من ظروف المرأة المغربية، كما شابت بياناتها روح تصالحية تؤكد على ضرورة توحيد الصفوف لتمكين المغرب من الدفاع عن وحدته الترابية.

في هذا السياق شهد عام 2000 صدور كتاب “فكر الأحكام السلطانية” لعبد الكريم مطيع الذي يعتبر بمثابة نقد ذاتي لتجربة و طريقة عمل الشبيبة الإسلامية و الحركة الإسلامية عموما. يرى مطيع بأن نقطة ضعف الحركة الإسلامية تتمثل في مطالبتها بنظام سياسي مبهم. فمؤسس الشبيبة الإسلامية يبدوا في هذا الكتاب قد تجاوز مرحلة الرجل الذي يريد قلب النظام بالقوة ليتحول إلى منظر يحاول التقعيد لرؤية سياسية جديدة في العمل الإسلامي (ص 186).

أما العدل و الإحسان فراهنت على خلق حزب سياسي لعبور جسر المشاركة السياسية. لقد اختارت الجماعة ولوج العمل السياسي بتأسيس حزب لها مرتبطا تنظيميا بأجهزتها, فهي تنفر من إحداث تنظيم سياسي منفصل, كما فعلت التوحيد و الإصلاح, لكون ذلك يشكل صورة من صور العلمانية ما دام ينطوي على الفصل بين الديني و السياسي، كما ترفض الانخراط في حزب قائم لأن من شان دلك إفراغ التنظيم الإسلامي من محتواه، حيث سينشط مناضليه و فق المعاير الحزبية على حساب معايير الجماعة.

إن التنظيم السياسي المرتبط بالعدل و الإحسان و الذي يسميه محمد ضربف هنا بالحزب ، ليس سوى الدائرة السياسية، التي أسستها الجماعة مند 1998 و أعلن رسميا عنها عام 2000، و أنيطت بها مهام التكوين السياسي لأطر الجماعة و تأطير أنشطتها السياسية و تجميع المعلومات التي تمكن من إعداد تصورات و مواقف الجماعة. و لعل تسمية الدائرة السياسية بالحزب من طرف المؤلف يعود إلى هيكلها التنظيمي ذي الطبيعة الحزبية لارتكازه على وجود إدارة مركزية (الأمانة العامة), و أقسام تم هيئة للصحافة.

في ظل عملية التسييس المفروضة غداة تفجيرات 16 ماي 2003, تعمق شعور الجماعة بأولوية الدائرة السياسية, كما اشتد اعتمادها عليها بشكل كبير سواء على مستوى الهيكلة كما على مستوى التصورات.

خاتمة : رهانات السياسة الدينية.

أما الخاتمة فقد أفردها المؤلف لتحليل رهانات السياسة الدينية بالمغرب الرامية لردع التغلغل الجهادي و استئصاله, عبر تسطير استراتيجيه دينية جديدة أعلن عنها ملك البلاد في خطاب 30 أبريل 2004 واستكملها بخطاب 27 شتنبر 2008. الإستراتيجية الدينية تأسست على تحصين ثوابت الهوية الدينية المتمثلة في العقيدة الاشعرية و المذهب المالكي و التصوف السني. هذه المكونات الهوياتية الثلاثة سوف تنشط في الإطار العام لإمارة المؤمنين. في هذا السياق حدد محمد ضريف ثلاثة مستويات يتم من خلالها تصريف الإستراتيجية المذكورة:

-1 المستوى الأول يتوقف على تبني سياسة القرب الديني عن طريق الرفع من عدد المجالس العلمية المحلية و تأسيس مجلس علمي خاص بالمهاجرين المغاربة المقيمين بالخارج و تكوين مرشدات للوعظ الديني و كذا استثمار القطاع السمعي البصري للتواصل مع العموم (إذاعة محمد السادس للقران الكريم, قناة السادسة, بث برامج دينية عبر قنوات الأولى و الثانية و المغربية)

-2 المستوى الثاني يتسم بسياسة السيطرة على الفاعلين الدينين و آليات الممارسة الدينية, وهو ما يترجم بإخضاع القيمين الدينين لإجراءات بيروقراطية على حساب مستواهم في العلوم الدينية و تكوينهم الشرعي, و إجبارهم, أثناء مزاولتهم لمهامهم, على الامتثال لسلسلة من الضوابط حددتها وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية و نشرتها ضمن “دليل الإمام و الخطيب و الواعظ”. ثم تحويل رابطة علماء المغرب إلى الرابطة المحمدية للعلماء حيث صار أمينها العام يعين بظهير, و أخيرا تقنين الفتوى و مؤسستها عن طريق إحداث لجنة علمية خاصة بالإفتاء.

-3 المستوى الثالث يتعلق بتكريس نضام قيمي بديل عن ذلك الذي تروج له السلفية الجهادية و الحركات الأخرى المناوئة لقيم الحداثة السياسية و حوار الأديان و الثقافات. و هذا ما يتضح من خلال رفض كل مفهوم يقدم الإسلام كدين حاضن للتطرف و التعصب و العنف ورفض الآخر, و دعوة العلماء إلى الانخراط في حماية المشروع المجتمعي الديمقراطي و الحداثي الذي حدد معالمه الملك محمد السادس, و كذلك دعم التيار الصوفي المجسد للتسامح و الاعتدال في الإسلام. و مراجعة برنامج التدريس بدار الحديث الحسنية، المتخصصة في تكوين العلماء. 

محمد بوشيخي