لجنة تحرير المغرب العربي: تجربة رائدة في الوحدة المغاربية

نظم مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة بالتعاون مع المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، ندوة علمية في موضوع: “لجنة تحرير المغرب العربي: تجربة رائدة في الوحدة المغاربية”، وذلك يوم الثلاثاء 10 يناير 2012 ، بقاعة المحاضرات.

الندوة تم تنظيمها احتفالا وتخليدا للذكرى الثامنة والستين لتقديم وثيقة الاستقلال و الذكرى الرابعة والستين لتأسيس لجنة تحرير المغرب العربي، حضر أشغالها جمع غفير من الباحثين والأساتذة والمقاومين والمهتمين والسلطات العمومية وعلى رأسها السيد الوالي وعامل عمالة وجدة أنكاد.

في الكلمة الافتتاحية للندوة رحب الدكتور سمير بودينار، رئيس المركز، بالحاضرين ونوه بأهمية الموضوع في إضاءة التاريخ وصيانة الذاكرة والمساهمة في بناء المستقبل الوطني والإقليمي.

أما كلمة المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، الدكتور مصطفى الكثيري، فقد أكدت أن هذا النشاط العلمي يندرج في إطار الشراكة المبرمة بين المركز والمندوبية، وهي شراكة ترمي إلى صيانة الذاكرة وإشاعة قيم الوطنية والمواطنة في صفوف الناشئة والشباب، كما ذكر بمنجزات الحركة الوطنية والمقاومة والإرهاصات التي أسست لوثيقة الاستقلال ولجنة تحرير المغرب العربي برئاسة المناضل المغاربي عبد الكريم الخطابي ودورها في حل النزاعات وتعبئة الرأي العام العربي والإسلامي، واضطلاعها ببعض المهام رغم الصعوبات التي اعترضتها. وتطرق السيد مصطفى لكثيري إلى أهم المحطات التي التأم فيها الكفاح المغاربي المشترك والتعثرات التي صاحبته إلى ما بعد الاستقلال، مؤكدا على أهمية اللقاءات العلمية وضرورة التدوين والتوثيق التاريخي، دون أن ينسى المبادرات الملكية الحريصة على بناء الاتحاد المغاربي.

كلمة السيد مدير وكالة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لعمالة وأقاليم الجهة الشرقية، قرأها بالنيابة السيد حسين النجاري، وقد تحدث عن المهام المنوطة بالوكالة في هذا المضمار، من خلال مساهمتها في بناء المشاريع الثقافية ذات الصلة بالذاكرة والتاريخ (طباعة الكتب، بناء المتاحف، النصب التذكارية فضلا عن الندوات والأيام الدراسية..).

ودعت كلمة اللجنة المنظمة، إلى قراءة الماضي المغاربي في تجاربه ومحاولاته الوحدوية، والإحاطة باللحظات المؤسسة لحركات التحرر المغاربي مع التونسي علي باشا وأنشطته السياسية أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، والحركة العمالية ونضالات شمال أفريقيا ولجنة تحرير المغرب العربي..

وفي الجلسة العلمية الأولى التي ترأسها الدكتور مصطفى الكثيري تناولت مداخلة الباحث بدر المقري (أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة ومنسق وحدة التوثيق بالمركز) “دور وجدة والجهة الشرقية في مساندة حرب التحرير الجزائرية بين1952 م و 1962 م”، حيث قدم قراءة كرونولوجية لأهم المحطات المؤسسة لعلاقة الدعم التي جعلت من الجهة الشرقية قاعدة خلفية لحرب التحرير الجزائرية. حيث أشار في مستهل عرضه إلى بدايات الاحتلال الفرنسي حين اعتبر العلماء الجزائريون، المغرب دار سلام والجزائر دار حرب، ممايدل على متانة الصلة بين البلدين، وما يترجم هذه الخصوصية أيضا، المراسلات التي كانت بين الأمير عبد القادر والسلطان مولاي عبد الرحمان، فقد كان هذا الأخير يخاطب الأمير بالابن البار بينما الأمير كان يعتبر السلطان في مقام الوالد. وفي هذا الصدد، تحدث عن العقاب الذي مارسته فرنسا على المغرب نتيجة دعمه لثورة الأمير. رغم الإكراهات لم تنقطع الصلة بين القطرين وظلت تتفاعل على مدى السنوات التي مهدت للاستقلال، ومن تجليات هذا التفاعل، علاقة علماء وجدة وبني زناسن بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي كان على رأسها ابن باديس، والتي اضطلعت بدور تقوية الممانعة والمقاومة. وفي سنة 1932 زار مدينة وجدة ثلة من العلماء منهم الطيب العقبي والطيب المهاجي لتأسيس فرع للجمعية الذي ظل ينشط إلى غاية 1962. وبمناسبة تأسيس دار الحديث بمدينة تلمسان سنة 1937، قرر وفد من وجدة من مئة شخصية القيام بزيارة دار الحديث، غير أن السلطات الفرنسية منعتهم من ذلك. وفي سياق حديثه عن المدارس الحرة التي تأسست بالمنطقة الشرقية، أشار أن المبادرة امتدت أيضا إلى منطقة القنادسة (بشار). واستقبلت وجدة جريدتين جزائريتين (الشعب والأمة) بمبادرة من الشاعر مفدي زكريا، كما تم تأسيس سنة 1938 لجنة مشتركة بوجدة من الحزب الوطني وحزب الشعب، واضطلعت بعض الشخصيات الوجدية بأدوار لمصلحة الجزائر، حيث قام سي ناصر بدور الوسيط بين جناحي مصالي الحاج وأحمد مزغنة. وتنوعت صيغ وأشكال الدعم مع استقلال المغرب سنة 1956، من استقبال بواخر السلاح والتطوع في تفريغها، إلى تمركز القيادات بعدد من المدن بالجهة الشرقية لاسيما مدينة وجدة، وهنا تحدث عن ثمانية مواقع بوجدة، كانت تحت تصرف جيش التحرير، كما كانت وجدة مقر القيادة العامة للولاية الخامسة التي كان على رأسها العربي بن مهيدي، ثم عبد الحفيظ بوصوف ثم الهواري بومدين. وشكلت الجهة الشرقية القاعدة الخلفية لحرب التحرير. وضمت عددا من المراكز الصحية التابعة لجيش التحرير ومخيمات التدريب ومصانع السلاح ومدرسة لتكوين الأطر الجزائرية بإشراف مغربي، وقد كان على رأسها (خليفة لعروسي)، وأخرى لتكوين الأطر الصحية كان على رأسها الطبيب عبد السلام هدام، كما تطرق الباحث إلى إذاعة صوت الجزائر التي كان مقرها بالناظور واضطلعت بدور فعال في تعبئة الرأي العام، كما أشار إلى الدعم الرياضي والثقافي.

وتناولت مداخلة الدكتور سمير بودينار “المغرب العربي: من التحرر الوطني إلى آفاق الوحدة” مسار التحرر الوطني، الذي تأسس على ثوابت، من بينها ارتباط إدانة المحتل بالحفاظ على الوحدة، فاقتران مشروع التحرربمشروع الوحدة كان ثابتا من ثوابت حركة التحرر (الوحدة التاريخية والجغرافية، وحدة المجتمع بخصائصه النفسية والاجتماعية والثقافية والعيش المشترك بنمطه الإسلامي). وهنا أشار إلى أول بند في ميثاق لجنة تحرير المغرب العربي الذي ينص على انتماء المغرب الكبير إلى الإسلام والعروبة، ويتصف الميثاق بوضوح الرؤية، من حيث تأكيده على الاستقلال المغاربي التام ورفض الارتهان إلى الخارج. وتحدث الباحث عن التحديات التي واجهتها اللجنة والخلافات التي عكست أزمة النخبة التي تجاهلت مطلب الوحدة المغاربية وكرست النزعة الانعزالية، وهذا ما وصفه أحد المؤرخين سنة 1960بالتعطيل المفتعل. بعد ذلك تحدث عن الحراك الفكري والمدني كجذوة ظلت مشتعلة، ليخلص إلى القول أن لا بديل عن الوحدة، وحول المشاكل العالقة ما بين المغرب والجزائر، أكد أنها لا يمكن أن تجد حلا إلا من أجل هدف أسمى تهون من أجله هذه المشاكل وهذا الهدف هو بناء الاتحاد المغاربي الذي ستزول فيه الحدود وتذوب الصراعات.

وركزت مداخلة “حركة التحرير المغاربية والاستقلالات المنقوصة”، للدكتور زكي مبارك (مؤرخ وأستاذ جامعي) على التمييز بين الاستقلال والتحرر، في سياق حديثه عن الكفاح المسلح والمعركة السياسية التي خاضتها أقطار المغرب والجزائر وتونس، التي نجحت في التحرر غير أنها لم تنجح تماما في إنجاز استقلالاتها التي تمت بناء على حلول توافقية بين المحتل وممثلي هذه الأقطار، كما لو أن الاحتلال خرج من الباب ليعود من النافذة على حد تعبيره. وفي مقاربته للمحطات التي طبعت مسيرة التحرير، تطرق الباحث بدوره إلى لجنة تحرير المغرب العربي وأساليب الكفاح، واندلاع الثورة وما صاحبها من مفوضات ومناورات كانت ترمي إلى إجهاض الثورة وعزل الجزائر عن محيطها المغاربي، وقد صنف الباحث هذه الاستقلالات ووصفها، بالاستقلال المنقوص في تونس، والاستقلال المبتور في المغرب، والاستقلال الملغوم في الجزائر، وهذا ما خلّف وضعا متأزما تحكمه الصراعات المحلية والبينية.

 المداخلة الرابعة “بناء المغرب العربي بين أفكار الرواد وواقع الجمود”، أطرها الدكتور خالد شيات (أستاذ بكلية الحقوق بوجدة ومسؤول وحدة الدراسات المغاربية بالمركز). فقد انطلق الباحث من بيان تأسيس لجنة تحرير المغرب العربي في قراءة مقارنة بين بنوده وبنود اتفاقية مراكش القاضية بتأسيس اتحاد المغرب العربي على مستوى الغايات المتمثلة في ثلاث نقاط (تحرير شمال أفريقيا – تحقيق الكرامة – نبذ الخلاف)، وأشار الدكتور شيات إلى ترابط التحرر من المحتل بالتحرر من الذل، وارتباط ذلك بوحدة الشعب المغاربي الذي نص عليها البيان. وكون الوحدة مبدأ مقدسا، فقد نبه البيان إلى خطورة الخلاف الذي صنفه إلى خلاف داخلي ينعكس على (الأوطان) وخلاف حزبي ينعكس على (الشعب) المغاربي. هذا النموذج الأصيل في مقارنته مع اتفاقية مراكش، يعطي أهمية لفعالية الشعب في ضمان الاستقلالية وعدم الارتهان إلى الخارج، وبناء الشخصية المغاربية وتحقيق الكرامة والعدل والمساواة. ليخلص إلى القول أن الرواد الذين أسسوا أفكار ورؤى التحرر كانوا أكثر وعيا ووفاء للشعب المغاربي ولم يرضخوا للصعوبات والمساومات، وكان على أصحاب القرار بعد الاستقلال أن يستكملوا المشروع التحرري بتوفير شروطه، التي تذوب فيها كل الخلافات المصطنعة والتي تم تكريسها من أجل الاستبداد وما ينجر عنه من نسق مضاد (للكرامة والعدل والمساواة)، وهي الغايات التي تأسست عليها حركات التحرر الوطني.

في الجلسة الختامية، تمت قراءة التوصيات الختامية لأشغال الندوة العلمية، وتم تكريم الوطني أمبارك بن محمد منطيسة، الذي خصه السيد المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بكلمة نوهت بتاريخه النضالي ومسيرته الحافلة. كما تم توزيع جوائز مادية وشواهد تقديرية على الفائزين في مباراة “البحوث الجامعية برسم سنة 2011″، وتوزيع إعانات مادية على بعض أفراد أسرة المقاومة وجيش التحرير. وفي الأخير تمت تلاوة نص البرقية المرفوعة إلى جلالة الملك محمد السادس نصره الله