تأثيرات الهجرة غير القانونية من أفريقيا على دول العبور (دراسة حالة المغرب العربي) الدكتور سمير بودينار

تعد الهجرة عموما واحدة من أكثر ظواهر الاجتماع الإنساني تعقيدا، وذلك بالنظر إلى تعدد مجالات تأثيرها خاصة مع التزايد المطرد في أعداد المهاجرين عبر العالم. فتقديرات الأمم المتحدة تشير إلى أن هنالك مالا يقل عن 200 مليون مهاجر في العالم، وهو عدد مرشح للارتفاع اعتبارا لوجود بيئة طاردة تشجع على الهجرة مع التزايد الحاد للفوارق في الدخل بين الدول، وكمثال على ذلك فقد كان الفرق قبل عشرين سنة بين معدل الدخل الإفريقي والأميركي 1 إلى 22، أما الآن فصار 1 إلى 70.

وتهم الزيادة حركة الهجرة عموما سواء كانت “شرعية” أو “غير شرعية” كما يشاع في الاستخدام الإعلامي والسياسي لتسمية حركة المهاجرين الذين يعبرون الحدود بين دول المصدر ودول المستقر، أو أي حدود دولية أخرى بينهما بطرق غير قانونية، وبشكل سري غالبا، من خلال التسلل عبر مختلف منافذ الحدود المتاحة،أو بالاستعانة بشبكات تهريب البشر.

ونظرا للحيثيات المعنوية والقانونية والأخلاقية المتعددة التي تتداخل في وصف حركة الهجرة بالشرعية أوغير الشرعية، فإننا نفضل استعمال وصف آخر أكثر دقة وأقرب إلى الحيادية وهو الهجرة القانونية وغير القانونية اعتبارا للاحتكام إلى المعايير القانونية المعمول بها وطنيا ودوليا.

غير أن الهجرة غير القانونية بشكل خاص أصبحت في السنوات القليلة الماضية، تطرح إشكالات وتحديات مستجدة، لا على صعيد الدول المصدرة أو المستقبلة للهجرة، أو على المهاجرين أنفسهم في المستويات الإنسانية والاجتماعية والقانونية وغيرها فحسب، بل كذلك على الدول التي تقع بحكم موقعها الجغرافي في “الطرق الرئيسة للهجرة العالمية” وخاصة غير القانونية منها.

لقد فرض تزايد وتيرة الهجرة غير القانونية وتعقد ظروف المهاجرين السريين، على كثير من دول العبور وضعا يتسم بمشكلات من نوع جديد تتعلق بموقع هذه الدول “الوسيطة” من المعادلة الدولية للهجرة، والخلل في معدلات استفادة أبناءها من فرص متساوية للهجرة القانونية، وعدم تمكنها من بنيات مراقبة واستقبال ومتابعة موازية لحجم الهجرة العابرة لترابها الوطني. وقد تفاقمت جميع هذه المشكلات مع تشديد الإجراءات القانونية على حركة الهجرة، إذ تحولت بلدان العبور في كثير من الحالات وبحكم الأمر الواقع إلى بلدان مستقر للمهاجرين السريين العابرين في الأصل، ومن ثم إلى بلدان مستقبلة للهجرة، وذلك في غياب رؤية شاملة تستوعب هذه الأوضاع الطارئة وفق رؤية تشاركية على مستوى دولي، تعنى بدول العبور كجزء أساسي من معادلات التنمية والهجرة، وتعمل بالتالي على تقوية قدرات التعامل الإيجابي لتلك الدول مع ظاهرة الهجرة غير القانونية. 

ولعل هذه الظاهرة تجسد ما يطلق عليه في علم الاجتماع ( دينامية الثقافة غير الشرعية) فالظاهرة تزداد يوم بعد يوم وتتعقد أكثر اعتبارا لتداخل المصالح السياسية و الخلافات بين الدول و مدى الاتفاق وعدم الاتفاق.

ففي عام 1994 أقر المجتمع الدولي في القاهرة للمرة الأولى خطة لإدارة الهجرة، و تم إقرار عدد من القوانين التي تغطي الحقوق و تطور برنامج للهجرات، وتسعى إلى تخفيض هذا النوع من الهجرة بتطوير مستويات التعاون بين الدول لإدارة المشكلات الخاصة بالهجرة غير القانونية. وبعد حوالي العقد والنصف من مؤتمر القاهرة بخصوص الهجرة اتضح أن مستوى الاهتمام بقضية الهجرة و إدارتها لا يتوافق مع حجم التعقيدات التي تترابط حول هذه الظاهرة العالمية.

ثم جاء إقرار ما يطلق عليه على المستوى الدولي بمقاربة الهجرة والتنمية، المتعلقة بالهجرة الدائرية كمدخل للتعامل مع ما يتعلق بمسألة الهجرة، وهي المقاربة التي اعتمدتها الأمم المتحدة كمحاولة لاستفادة الدول النامية من المهاجرين من خلال التحويلات المالية، أو مما يتمكن المهاجرين من الحصول عليه من مزايا أو تقنيات أو تعليم لتنمية بلدانهم المصدر، في مقابل هذه المقاربة تبدو مقاربة التجريم التي اعتمدتما الدول المقصد في الاتحاد الأوروبي، وتتجلى مقاربة تجريم الهجرة والتي اتخذت طابعا شبه قانوني مع برتوكول تهريب المهاجرين, وبرتوكول ( باليرمو ) الملحق بالاتفاقية الدولية بشأن الجريمة الدولية، ومجمل السياسات الأوروبية بعد اتفاقية ماستريخت، في التركيز على الحد من الهجرة القادمة من دول العالم الثالث و خصوصاً الهجرة الأفريقية و الآسيوية في مقابل استيعاب الهجرة من دول شرق أوروبا، بما يحقق المزيد من الاندماج الأوروبي, هذه المقاربة و إن كانت قد تبدت في صورة غير مباشرة إلا أنها تمثلت في تشديد إجراءات محاربة تهريب المهاجرين وملاحقة المتسللين منهم في عرض البحار بهدف منعهم من الوصول إلى الشواطئ الأوروبية، رغم تنافي ذلك مع القانون الدولي للبحار، و بالتالي فقد أفرزت مقاربة التجريم العديد من الاتفاقيات خصوصاً بين دول شمال بحر المتوسط و جنوبه، وتم الاتجاه إلى محاولة تقنين المقاربة جهويا من خلال الاتفاقيات البينية مع الدول المصدر أو الممر كما هو الحال في الاتفاقية الليبية الإيطالية والأوروبية مع دول المغرب العربي، وهي الاتفاقيات التي تحاول توثيق التعاون لمنع وصول المهاجرين، والأهم أنها تحمل دول الشمال الأفريقي تكلفة إعادتهم إلى أوطانهم ،أي الاتجاه العام الذي يهدف إلى تقليص الهجرة إلى أوروبا من الناحية التشريعية أو من الناحية القانونية بالتعاون مع دول الجنوب.

1 . حركة الهجرة غير القانونية (السرية) وتأثيراتها في العلاقات الدولية

لا شك أن المستوى الدولي يعتبر من أكثر مستويات التحليل تعقيداً في ظاهرة الهجرة، نظراً لاتسامه بالشمولية والتداخل. وإذا أمكننا القول في إطار مستوى الدولة، بأن الدول المستقبلة والمرسلة لديها سياسات عامة للهجرة، متمثلة في إصدار تشريعات وقوانين وقرارات ولوائح ملزمة تنظم عملية الهجرة، فإن مستوى النظام العالمي يجسد مدى وجود عملية تنسيق وتعاون جهوي ‘Sub-regional’، إقليمي Regional’، أو عالمي ‘Global’ تجاه الهجرة القانونية وغير القانونية. وطالما أن النظام العالمي يفتقر إلي وجود سلطة ملزمة ‘Binding Authority’، عليه فإن الدول المتضررة والمستفيدة من الهجرة القانونية وغير القانونية تقوم بعملية تنسيق وتعاون تجاه مشاكل الهجرة التي تواجهها.

ويلاحظ مثلا أن المنظمات الدولية والمجتمع المدني العالمي ‘Global Civil Society’ تلعب دورا هاما في عملية التعامل مع الهجرة كظاهرة عالمية معاصرة.

ومع قيام الاتحاد الأوروبي عام 1992، زاد مستوى التنسيق والتعاون الأوروبي-الأوروبي تجاه قضايا الهجرة والمهاجرين. ويتمثل مصدر الهجرة إلي أوروبا الغربية في ثلاثة مصادر رئيسية، هي: أوروبا الشرقية بعد انهيار الشيوعية، الشرق الأوسط، خاصة تركيا، شمال أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء.

وبالنسبة للهجرة التي تمثل أروبا الشرقية مصدرا لها فقد تعامل الاتحاد الأوروبي مع الإشكالية بواقعية عن طريق دفع دول أوروبا الشرقية لتبنى إصلاحات اقتصادية وسياسية ودعمها ماديا ومؤسسيا أولا، وعن طريق قبول معظم هذه الدول في عضوية الاتحاد الأوروبي ثانيا.

أما فيما يتعلق بمشكلة المهاجرين القادمين من الشرق الأوسط وأفريقيا، فقد تمثلت المعالجة في الدخول في شراكة مع الدول الواقعة على حوض البحر الأبيض المتوسط من خلال التوقيع على إعلان برشلونة عام 1995، على أمل احتواء الهجرة غير القانونية عبر المنافذ والحدود الجنوبية لدول الاتحاد الأوروبي. إذكان أحد أهم أهداف عملية برشلونة هو تحقيق الأمن والاستقرار والحد من الهجرة غير القانونية القادمة إلي أوروبا من الحدود الجنوبية المطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط، وبالتالي تعهدت الدول المتوسطية بإجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية واجتماعية حتى يمكنها الحد من الهجرة غير القانونية إلي دول الاتحاد الأوروبي[1].

وبالرغم من أن اتفاقيات الشراكة الأوروبية-المتوسطية تؤكد على حرية انتقال السلع والخدمات عبر حدود الدول الأعضاء في عملية برشلونه، لاسيما بعد قيام ما سمي “منطقة الازدهار المشترك” عام 2010، إلا أن القيود على حرية تنقل الأفراد مازالت موجودة بشكل ملحوظ بين الدول الأعضاء في عملية برشلونه. بل إن البعض يؤكد على أن الرقابة على الهجرة هي أشد ما تكون عليه في عصر العولمة مقارنة بالفترات الزمنية السابقة. فالحدود تفتح أو تغلق تمشيا مع قرارات وسيادة الدول، بالرغم من شعارات العولمة المنادية بحرية تنقل الأفراد من بلد إلي آخر[2] ، وبهذا المعنى تكون العولمة فتحا الحدود أمام تدفق السلع والخدمات والشركات متعددة الجنسيات ورأس المال الأجنبي المقترن بالدول المتقدمة، وليس بالضرورة حرية العمالة والمهاجرين القادمين من الدول النامية[3].

ولا تقتصر القيود المفروضة على حرية انتقال الأفراد والمهاجرين على الاتحاد الأوروبي وعملية برشلونة، ولكنها تمتد لتشمل منظمات إقليمية أخرى مثل النافتا ‘NAFTA’، التي تضم في عضويتها الولايات المتحدة، كندا، والمكسيك. ففي هذا السياق، تؤكد اتفاقية تأسيس النافتا عدم حرية تنقل الأشخاص، بالرغم من أن حرية التنقل مكفوله بين كندا والولايات المتحدة على أرض الواقع. عليه، يلاحظ أن المقصود من ذلك الحد من الهجرة القادمة من المكسيك إلي بقية دول النافتا. فالولايات المتحدة تنفق الكثير للحد من الهجرة القادمة من المكسيك، حيث تضع الأسلاك الشائكة والدوريات المستمرة للحد من الهجرة عبر حدودها الجنوبية[4].

إن مشكلة حرية حركة المهاجرين تجسد عموما عملية صراع بين الحاجة الاقتصادية إلي العمالة الوافدة والرخيصة من ناحية، والحساسية السياسية المتمثلة في تنامي المشاعر الوطنية والقومية وكره الأجانب من ناحية أخرى[5]. فالقيود المفروضة على حركة الأفراد لم تكن معروفة خلال الفترات السابقة، حيث تساوت حركة المهاجرين مع حركة رؤوس الأموال، وبالتالي يمكن القول إن القيود المفروضة على الهجرة تعتبر ظاهرة معاصرة [6].

لكن لو انتقلنا من المستويين الفرعيين الجهوي والإقليمي إلي المستوى العالمي أو الكوني، فإن محور التركيز سينصب على إشكالية الهجرة في إطار الصراع بين الشمال والجنوب ودور المنظمات الدولية، لاسيما الأمم المتحدة. فبالرغم من أن مطالب الدول النامية بنظام اقتصادي ونقدي عالمي جديد يراعي مصالحها يعود إلي بداية عقد السبعينيات من القرن العشرين، إلا أن الركود الاقتصادي العالمي وتفاقم مشكلة الديون الخارجية وتردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية في معظم الدول النامية خلال العقدين الأخيرين قد أدى إلي إحلال العلاقات الثنائية محل العلاقات الجماعية، وبالتالي أصبحت الدول النامية تبحث مشاكلها و من بينها بطبيعة الحال مشكلة الهجرة غير القانونية واللاجئين مع الدول المتقدمة على أساس ثنائي.

إن اللجوء إلي الدبلوماسية الثنائية في العلاقات الدولية أثار مشاكل تهم جميع الأطراف الفاعلة في العلاقات الدولية، ومن أبرز هذه المشاكل مشكلة الهجرة والمهاجرين غير القانونيين [7]. غير أن ضعف المركز التفاوضي لدول الجنوب بسبب تفاقم مشاكلها الاقتصادية والسياسية وبسبب بروز نظام القطب الواحد المهيمن [8]، لا يعني عدم وجود إجماع دولي على مراعاة حقوق المهاجرين واللاجئين. فالتنسيق الدولي لحل مشاكل المهاجرين واللاجئين تم في إطار هيئة الأمم المتحدة، حيث تم إبرام اتفاقية عن وضع اللاجئين عام 1951. وتنص اتفاقية 1951 على ضرورة تقديم المساعدة للأفراد المعرضين للمخاطر، أو الذين يتوقعون تعرضهم للخطر في حالة عودتهم إلي أوطانهم. كما حددت الاتفاقية المذكورة الحقوق الأساسية للاجئين والمعايير اللازمة للتعامل معهم. لكن تخوف العديد من الدول، مثل الولايات المتحدة، من ضرورة فتح حدودها أمام اللاجئين دفعهم إلي عدم التوقيع أو التصديق على اتفاقية عام 1951، حيث يصل عدد الدول التي وقعت وصدقت على الاتفاقية 124 دولة فقط [9].

وتؤكد المواثيق الدولية عموما ضرورة حسن معاملة المهاجرين القانونيين الذين تم توطينهم، إلي جانب الدعوة إلي حرية حركة المهاجرين استنادا إلي تطبيق المباديء المتعلقة بحرية حركة الأفراد وفتح الأسواق أمام العمالة سواء أكانت محلية أم وافدة [10]. وطالما أن أسباب الهجرة وزيادة عدد اللاجئين تعود إلي الركود الاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي والحروب الأهلية[11]، وان المشاعر المعادية للمهاجرين في ازدياد مطرد بالدول المتقدمة[12] ، فإنه يتوجب على الدول المتقدمة مساعدة الدول النامية المصدرة للمهاجرين في تحقيق التنمية والاستقرار السياسي حتى يمكن الحد من تدفق المهاجرين إليها. وفي هذا السياق، أشار رئيس وزراء الدنمارك في مؤتمر للأمم المتحدة، بأنه إذا لم تقدم الدول الصناعية المساعدات إلي الدول النامية فإن المهاجرين واللاجئين سيستمرون في التدفق إلي دول الشمال[13] .فالهجرة غير القانونية لن تنتهي بالحلول المؤقتة والمتمثلة في تعزيز دوريات الحدود وتشديد الرقابة على المهاجرين، ولكنها ستنتهي عندما تحل مشاكل الفقر والتنمية والاستقرار السياسي [14].

وبالرغم من أن نظام القيم، والاتجاهات والسلوك الفردي في إطار الدول المستقبلة والمرسلة أو المصدرة للمهاجرين تعكس وجود درجات متفاوتة من التسامح مع المهاجرين واللاجئين، إلا أن العقدين الأخيرين من القرن العشرين قد شهدا تطورات اقتصادية وسياسية ملحوظة الأمر الذي ألهب المشاعر الوطنية والقومية وزاد من مستوى كراهية الأجانب والمهاجرين. صحيح أن التعصب الوطني والقومي وكره الأجانب ليس ظاهرة عامة منتشرة بين جميع السكان في الدول المستقبلة، لكن الأفراد المتسمين بذلك لهم تأثيرهم لاسيما عندما يتعلق الأمر بالنخب السياسية وصانعي القرار. وتعتبر العوامل الاقتصادية والسياسية من أكثر العوامل التي زادت من مستوى التعصب الوطني والقومي وكره الأجنبي في الدول المستقبلة للمهاجرين.

وتهدف السياسات العامة للدول المتقدمة إلي تقنين الهجرة القانونية إلي جانب الحد من الهجرة غير القانونية ، لاعتبارات اقتصادية وسياسية. كما أن السياسات العامة للدول النامية، والتي أصبحت تجسد العمل الثنائي بدلا من الجماعي، تعتبر أكثر استجابة لمطالب الدول المتقدمة، لاسيما عندما يتعلق الأمر بالهجرة غير القانونية واللاجئين السياسيين.

لقد أدى التنسيق والتعاون الجهوي والإقليمي والعالمي إلي تبني سياسات واستراتيجيات تحد، أو على الأقل تراقب عملية الهجرة القانونية. لكن النظم الجهوية والإقليمية اتخذت إجراءات صارمة للحد من الهجرة غير القانونية على أساس أنها تقوض الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الدول المستقبلة. ويتضح التنسيق الجهوي تجاه الهجرة غير القانونية في إطار الاتحاد الأوروبي، الذي شكل تحالفات ووضع استراتيجيات لمنع الهجرة غير القانونية عن طريق توسيع الاتحاد الأوروبي شرقا، وقيام عملية برشلونة جنوبا.

إن بروز الهجرة كمشكلة دولية معاصرة قاد إلي وجود تنسيق وتعاون عالمي أدى إلي عقد اتفاقيات دولية واتخاذ إجراءات عملية لتنظيم عملية الهجرة، لاسيما عندما يتعلق الأمر بمشكلة اللاجئين بشكل عام. فالأمم المتحدة توصلت إلي عقد اتفاقيات تتعلق باللاجئين، الذين تزايد عددهم نتيجة لمصاعب اقتصادية ومخاطر سياسية شهدها عالمنا المعاصر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

2. الهجرة الأفريقية نحو أوروبا الخصائص والمحددات

تمثل العلاقات بين أوربا وأفريقيا نموذجاً للعلاقات غير المتكافئة بين طرفين دوليين (الاتحاد الأوربي والاتحاد الأفريقي)، وبالمقارنة بين الكتلتين يتضح لنا من الوهلة الأولى أن القارة الأفريقية تتفوق على القارة الأوربية من حيث الجغرافيا والديموغرافيا، ولكن الوضع الاقتصادي هو ما يعكس حقيقة الخلل بينهما، فالناتج القومي الإجمالي الأوربي يزيد 17 مرة عن نظيره الأفريقي، ورغم أن مساحة أفريقيا تبلغ 10 أضعاف مساحة أوربا وعدد سكانها ضعف عدد سكان أوربا، غير أن أفريقيا تضم أفقر دول العالم بينما يضم الاتحاد الأوربي دولاً تعتبر مستويات المعيشة فيها مرتفعة عالمياً [15]

حاولت أوربا تقديم بعض الدعم والمساعـدة للقارة الأفريقية، بهدف تخفيف ضغط هجرة العمالة غير القانونية إليها والقادمة من أفريقيا، وفي هذا الإطار تعامل الاتحاد الأوربي مع القارة الأفريقية بشكل جماعي بل وفي إطار يضم دولاً أخرى خارج القـارة كما هو الحال بالنسبة لاتفاقية لومـي، وكذلك اتفاقيـة كوتونو التي تغطي الفترة من 2000 إلى 2020، وتضم الاتفاقيتـان نحو 77 دولة منها 48 دولة أفريقيـة و 15 دولة من دول الكاريبي و 14 دولة من دول المحيط الهادي والجزر التي يطلق عليها أقاليم ما وراء البحار[16]، وهذا يبين وضـع أفريقيـا ضمن دائرة اهتمام واسعة لا تحظى باهتمام خاص.

الملاحظ في شأن العلاقات الأوربية-الأفريقية وخاصة فيما يتعلق بموضوع الهجرة غير الشرعية أن التفاوض بين الطرفين يتم في إطار هيمنة مطلقة أوربية، حيث تتعامل دول الاتحاد الأوربي كقوة موحدة بصوت واحد قوي أما المجموعة الأفريقية فإنها تدخل فرادى ضمن مجموعات أخرى من الكاريبي والمحيط الهادي، كما يعزز الموقف الأوربي كونه الطرف القوي المانح، يقابله الموقف الأفريقي الضعيف المتلقي، كما يلاحظ الإصرار الأوربي على وقف تيار الهجرة غير القانونية، ونقل هذه المعركة إلى خارج القارة الأفريقية من خلال دعم برامج تقوم على الآتي:

1.إقامة معسكرات تجميع لهؤلاء المهاجرين غير القانونيين في دول العبور مثل ليبيا ومن ثم إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية.

2.تكثيف الإجراءات الأمنية لمنع تسلل المهاجرين غير القانونيين، وتشمل هذه الإجراءات مراقبة مكثفة لنقاط العبور البحرية للهجرة غير القانونية، وقد أثبتت هذه الإجراءات الرادعة فعاليتها عبر مضيق جبل طارق، الأمر الذي شجع على تطبيقها على السواحل الليبية بالتعاون مع السلطات الليبية، وفي سبيل ذلك قدم الاتحاد الأوربي دعماً في شكل معدات وطائرات لتشديد الرقابة على نقاط العبور لدول شمال أفريقيا.

3.دعم برامج التنمية في دول المصدر لتوفير فرص عمل من أجل تثبيت المهاجرين في بلدانهم حتى لا يفكروا في الهجرة، غير أن الخلاف ظل دائما حول حجم المساعدات، فما يراه الاتحاد الأوربي دعماً كافياً لا يراه الأفارقة مجدياً لإحداث أثر فعال في الاقتصاد الأفريقي.

غير أن تلك الإجراءات ظلت مفتقرة إلى الفعالية وعاجزة إلى اليوم عن وقف الهجرة غير القانونية، وما ينتج عنها من مآس أثناء عملية العبور، فقد بدأت ظاهرة الهجرة السرية عبر ما سمي لاحقا بقوارب الموت من الناحية الرسمية قبل 20 سنة كاملة، ففي يوم 1نوفمبر 1988غرق قارب على متنه 23 شابا مغربيا قرب شاطئ طريفة عند الضفة الشمالية لمضيق جبل طارق، وكان الشباب يريدون الوصول إلى إسبانيا مباشرة بعد الإجراءات الصارمة التي اتخذتها إسبانيا حينها للحد من دخول المهاجرين المغاربة إلى أراضيها.

ومنذ تلك الحادثة إلى اليوم تقدر الجمعيات المختصة أن عدد القتلى في منطقة جبل طارق والمنطقة الواقعة بين الضفة الجنوبية الغربية للمتوسط وجزر الخالدات نتيجة هذه الظاهرة ب18 ألف، بينما لا تنزل أقل التقديرات عن 10 آلاف ضحية نصفهم من المغرب العربي والبقية من إفريقيا جنوب الصحراء ودول أخرى.

ومنذ عام 1997 وحتى عام 2001 تم انتشال ثلاثة آلاف ومائتان وستٍ وثمانين جثة (3286) خلال تلك العمليات، وإذا ما علمنا أن جثة واحدة يتم انتشالها من بين كل ثلاثة غرقى فإن الرقم خلال هذه السنوات الخمس يرتفع إلى ما يقرب من عشرة آلاف غريق.

وتظهر إحصائيات رسمية أنه في العام 2001 ضبط نحو 15 ألف أفريقي يحاولون دخول إسبانيا عبر مضيق جبل طارق وأن عشرات منهم غرقوا أثناء المحاولة.

وفي هذا الصدد يرى الباحث الإسباني “يورن زو”: إن عدد المهاجرين المغاربة في إسبانيا حالياً يزيد على المائتي ألف شخص، ويُقدَّر عدد المهاجرين السريين بحوالي اثني عشر ألف شخص سنوياً، وأن أسباب تنامي الهجرة، وخصوصاً السرية، مردُّها فرض الدول الأوروبية تأشيرات دخول، وتشدُّدها ضد رعايا دول الجنوب المتوسطي، تلك الدول التي تتفاقم أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية، وخصوصاً لفئة الشباب، ولأسباب متعددة أخرى كسوء التسيير المحلي، والتأثيرات السلبية للعولمة، بالإضافة إلى دور الإعلام المثير حول أوروبا القريبة والقريبة منه جداً، وكذلك عودة بعض المهاجرين بسيارات فارهة، وبوضعٍ اقتصادي جيد.

وقد تضاعف عدد المهاجرين السريين الوافدين بحرا إلى السواحل الإيطالية تقريبا خلال السبعة أشهر الأولى من هذه السنة(2008) بالمقارنة مع نفس الفترة من سنة 2007 إذ تخطى ال15 ألفا بحسب إحصاءات وزارة الداخلية الإيطالية، وكعينة تمثيلية لوتيرة توافد المهاجرين وجنسياتهم نجد أنه في يوم واحد مثلا من شهر شتنبر وصل أكثر من 400 مهاجر إلى سواحل جنوب إيطاليا بمناطق كامارينا قرب صقلية، وجزيرة لامبيدوسا الصغيرة وبورتو بالودي كابوسيرو جنوب صقلية، و منطقة جنوب كالابريا. ومن بين هؤلاء المهاجرين 69 امرأة أغلبيتهم الساحقة من إفريقيا جنوب الصحراء، كما يشمل العدد 46 أفغانيا وتونسيين وجزائيين ومغربيين.

وقد طلبت ايطاليا قبل انضمام عشر دول جديدة من أوروبا الشرقية تخصيص 1% من الناتج المحلي لكل من الدول الأوروبية الـ 15 (وليس 25)، لتقديمه لدول شمال أفريقيا و الدول الأفريقية الأخرى لإقامة مشروعات و أعمال ومعالجة البطالة والحد من الهجرة من الجنوب إلى شمال أفريقيا و من ثمة إلى أوروبا , هذا البرنامج لم يتم بشكل يحقق أهدافه, وهنالك برنامج آخر خصص الاتحاد الأوروبي بموجبه 500 مليون يورو وهو ما أطلق عليه برنامج ميدا 1 و ميدا 2 لدول شمال البحر المتوسط بما فيها موريتانيا وهو أيضاً برنامج متواضع في إمكانياته إذا قورن مثلا بميزانية العشرة مليار يورو التي خصصها الاتحاد الأوروبي لإعادة إدماج عشرة دول في الاتحاد بما فيهم مالطا و قبرص و دول البلطيق والبعض من دول وسط أوروبا, أي ما مجموعه عشرة دول.

تأثرات الهجرة السرية الأفريقية على دول العبور

أصبحت موجات الهجرة السرية القادمة من إفريقيا جنوب الصحراء مرورا بدول المغرب العربي في اتجاه أروبا عنوانا لحركة الهجرة غير القانونية في المنطقة خلال السنوات القليلة الماضية، حتى أنه في العام 2000 خصصت الحكومة الإسبانية 25 ألف مليون بسيطة ( أكثر من 165 مليون دولار ) لتحصين مضيق جبل طارق أمام سيول الهجرة السرية باستعمال أكثر التكنولوجيا تقدما في مجال الاستشعار و الرصد حتى لا يطأ ” الجياع ” أراضيها، و هذا ما أكده الكاتب المسرحي الإسباني أنتونيو غالا في عمود له صدر بالمناسبة بصحيفة إلموندو الإسبانية تحت عنوان ” تطهير عرقي “، حيث يقول : ” إنه نظام متكامل للمراقبة الخارجية كي لا يحلم أكثر الناس حاجة بالوصول إلى ” الفردوس “.. رادارات بعيدة المدى و كاميرات حرارية و أجهزة مراقبة ليلية و أشعة تحت الحمراء و طائرات مروحية و دوريات.. كل هذا من أجل ثني المغاربة الساعين إلى دخول سمائنا و لأجل بناء حصن منيع للإسبان..25 ألف مليون بسيطة تصرف كي يحرم المحتاجون حتى من الحصول على بسيطة واحدة.. ليفهم من يستطيع أن يفهم ” لكن مشكلتنا القصوى هي أننا خاصمنا الفهم سيد غالا خصوصا بعد مضي أربع سنوات من الحادث، و ارتفاع سياسة الستار الحديدي إلى أقصى الاحتمالات حتى في البلدان المصدرة للهجرة من دول الجنوب، ما دام آل الشمال قد توصلوا إلى حلول جديدة تتمثل في وضع شروط تعجيزية للحصول على التأشيرات أو عبر تقديم إعانات مالية و لوجيستيكية إلى الضفة الجنوبية بشرط “استثمارها ” في تدعيم نشاطات مراقبة منافذ الهجرة و تفكيك شبكاتها عملا بالمبدأ القائل بضرورة تجفيف المنابع و المفاقس الأولية لإنتاج الظاهرة اقتصادا للجهد و الوقت و تلافيا أيضا لتدفق مهاجرين آخرين ما عادت القارة العجوز في حاجة إلى عضلاتهم و أعبائهم الاجتماعية.

فدول الشمال إذن يتوجب عليها الانتهاء من تجريب سياسة الستار الحديدي والقطع مع ازدواجية الخطاب السياسي تجاه الظاهرة الذي أبانت عنه عدد من الإجراءات التي اتخذنها تلك الدول موخرا، ففي إجراء يقصد منه إغلاق باب الهجرة إلى إسبانيا سنة 2009 أعلنت الحكومة الإسبانية يوم 3/9/2008 عن نيتها إلغاء توظيف العمال الأجانب الذين يتم استقدامهم من دولهم الأصلية بحلول عام 2009 كأحد الحلول المقترحة لمواجهة الأزمة الاقتصادية وتزايد نسبة البطالة في البلاد التي وصل عدد من يعاني منها إلى 2,5 مليون من بينهم 500 ألف أجنبي، أما بخصوص مقترح العودة الطوعية للمهاجرين إلى بلدان المصدر الذي أعلنته الحكومة الإسبانية على خلفية الأسباب ذاتها (الأزمة الاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة ) فقد بين استطلاع للرأي أجرته جمعية العمال والمهاجرين المغاربة بإسبانيا ونشرت نتائجه أواخر شتنبر من هذه السنة (2008) أن 83% من المهاجرين المغاربة بإسبانيا يرفضون المشروع، بينما أبدى 11,8% منهم استعدادهم للعودة لكنهم رفضوا شروط المغادرة، سواء المتعلقة بالتعويض أو التنازل عن الإقامة. ويقضي المشروع بالعودة الطوعية للمهاجرين العاطلين عن العمل إلى بلدانهن الأصلية مقابل صرف تعويضات بطالتهم على دفعتين.

وفي بريطانيا طالبت خلال شهر شتنبر من هذه السنة لجنة برلمانية من جميع الأحزاب السياسية في مجلس العموم بشديد قيود الهجرة إلى المملكة المتحدة وإعادة المهاجرين من خارج دول الاتحاد الأروبي إلى بلدانهم بعد أربع سنوات من الإقامة في بريطانيا، وذكرت وسائل الإعلام في تفاصيل القضية أن المهاجرين سيحصلون بموجب الاقتراحات الجديدة للجنة البرلمانية على تأشيرة إقامة لمدة أربع سنوات غير قابلة للتمديد يعودون بعد انتهاء مدتها إلى دولهم، وذلك باستثناء “المهاجرين المهرة”. وهذه الخطوة إذا أقرت تعني تجريد ما يتراوح بين 150 و170 ألف مهاجر من حق الإقامة في بريطانيا كل عام، وعدم السماح لأكثر من 20 ألف مهاجر من ذوي الكفاءات والمهارات بالإقامة سنويا في المملكة المتحدة. وقد تزامنت هذه الخطوة مع برنامج جديد لوزارة الداخلية البريطانية لتصاريح العمل يهدف إلى اجتذاب المهاجرين من أصحاب الكفاءات بعد أن بلغ عدد المهاجرين إلى بريطانيا في العقد الأخير 2,5 مليون مهاجر.

الهجرة الأفريقية في دول المغرب العربي ومعضلة “العبور”

إن أكثر الأطراف الداعية إلى مقاربة دائمة هي البلدان المغاربية لعلمها بأن ظاهرة الهجرة أضحت هيكلية ودائمة، وأن عليها أن تتعامل معها من منظور استراتيجي, فظاهرة الهجرة السرية لم تعد مسألة ظرفية بل باتت مكونا هيكليا ما زالت الآليات المستخدمة غير قادرة على تدبيره بشكل يحد من آثاره وانعكاساته سواء على دول المنبع أو الدول المستقبلة.

ويضاف إلى العوامل المساهمة في الهجرة من اقتصاد وسياسة، عامل القرب من أوروبا، ذلك أن المغرب يشكل بوابة رئيسية وصلة وصل بين أفريقيا وأوروبا، هذا الموقع الجغرافي المتميز على بعد (14) كلم، ساهم في تسهيل عملية انتقال الأفارقة على العموم والمغاربة على الخصوص إلى الضفة الشمالية للمتوسط، إن المغرب كغيره من بلدان المغرب العربي وبقية بلدان العالم الثالث يعاني من ظاهرة الهجرة، وذلك بحكم موقعه الاستراتيجي على المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، الذي شكل على الدوام واجهة مفتوحة على أوروبا، وفضاءً للتلاقح الحضاري والتواصل البشري عن طريق الهجرة القانونية.

إلا أن العقدين الأخيرين، عرفا منعطفاً خاصاً تجلى في تنامي ظاهرة الهجرة السرية من خلال ما اصطلح على تسميته بـ(قوارب الموت). وتبعاً لذلك بدأ واضحاً أن المغرب متضرر هو الآخر من الهجرة غير المنظمة حيث أخذ يتحول تدريجياً إلى معبر لها، وبلد إقامةٍ لبعض القادمين من بلدان أفريقية، الراغبين في الهجرة نحو أوروبا، إذ يسير آلاف الأفارقة مئات الكيلو مترات مشياً على الأقدام للوصول إلى المغرب، البوابة التي توصلهم إلى إسبانيا، يعيشون في الغابات في انتظار فرصة العبور إلى الساحل الأوروبي، و يسكن المستطيعون منهم في بيوت، أما فقراؤهم فتراهم يلتجئون إلى الغابات، حيث يعيشون في بيوتٍ من ورق وأكياس القمامة، يوفرون طعامهم من الغابة، إن غالبية المهاجرين الأفارقة جاءوا إلى المغرب على أمل العبور إلى أوروبا للحصول على فرصة عمل تحسِّن وضعهم الاقتصادي والاجتماعي، وبعضهم هرب من جور الظروف السياسية التي تمر بها بلدانهم.

هذه الأوضاع المتدهورة إلى حد كبير في إفريقيا، سبب رئيسي في هجرة آلاف الأشخاص من أعماق إفريقيا، مجموعات وأفرادا، يجازفون بحياتهم، ويموت بعضهم في الطريق من الجوع والمرض، من أجل الالتحاق ببلدان العبور (المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا)،

وإذا كان المغرب العربي يمر بظروف صعبة جعلت مواطنيه يلجؤون للهجرة، فإنه ما انفك يدعوا إلى إدماج المهاجرين في دول الاتحاد الأوروبي، وفي نفس الوقت يبذل جهوداً متواصلة على العديد من المستويات من أجل محاربة الهجرة السرية، في معركة مفتوحة ضد تجارة البشر التي تجد مادتها متوفرة في إفريقيا.

والمتتبع لوسائل الإعلام يجد أصداءً لهذه المواجهة، فلا يكاد يخلو يوم تقريباً من توقيف العديد من المهاجرين المرشحين للهجرة السرية، معظمهم من البلدان الأفريقية.

وبفعل هذه التدابير والإجراءات أمكن تفكيك (1200) شبكة متخصصة في تهريب الأشخاص خلال سنة 2003، وفي نفس السنة تم بمدينة طنجة وحدها على سبيل المثال توقيف (10598) شخص متورط في الهجرة السرية كما تم أيضاً تفكيك (39) شبكة لتنظيم الهجرة السرية تضم (127) شخصاً(16)[17].

ولقد كان للتدابير والإجراءات القانونية لمكافحة الهجرة السرية دور إيجابيً في ردع بعض شبكات (مافيا الهجرة غير المشروعة)، وهو ما يفسر الجمود والتراجع النسبي الذي شهدته حركة الهجرة السرية للمواطنين المغاربة منذ سنة 2002، وهكذا تم خلال الفترة من فاتح يناير و31 أكتوبر 2003 تسجيل انخفاض لأول مرة منذ سنوات في عدد المواطنين المرشحين للهجرة بنسبة 53,17 في المائة، وموازاة مع ذلك سجل ارتفاع بنسبة 75ر33 في المائية في عدد شبكات الهجرة التي تم تفكيكها.
ويتضمن كل من القانون المغربي الجديد حول الهجرة 02-03 الصادر بتاريخ نوفمبر 2003، والتونسي رقم 6-2004 بتاريخ 3 فبراير 2004تجريم الأنشطة المرتبطة بتهريب الأشخاص والهجرة غير القانونية ، كما تتجه الجزائر إلى الاتجاه نفسه، فقد صادق مجلس الوزراء الجزائري يوم 31/8/2008 على قانون يجرم تنظيم الهجرة غير الشرعية في البلاد ويشدد العقوبات على كل من المهاجرين السريين حيث يعاقب ” الخروج غير المشروع من الأراضي الوطنية بالسجن حتى ستة أشهر، كما أن القانون الجديد يعاقب منظمي شبكات الهجرة السرية اللذين سماهم” المسؤولين عن شبكات الهجرة غير المشروعة بالسجن حتى عشرة أعوام” كما يمكن تشديد العقوبة في حال القيام بهذا العمل في إطار ” مجموعة منظمة”.

و في الفترة الأخيرة صدرت في ليبيا عدة تعديلات في القانون رقم 2 لسنة 87 بشأن دخول الأجانب ولائحته التنفيذية , في محاولة لتنظيم دخول الأجانب إلى ليبيا وتنظيم عملهم بعد الاختلالات التي عرفها حقل الهجرة في البلاد بفعل تدفق الهجرة من إفريقيا جنوب الصحراء، وتمنع التعديلات الأخيرة دخول الأجنبي إلا للعمل وبناء على تأشيرة العمل التي نمنحه فرصة ثلاث أشهر فقط للبحث عن عمل.

وفي الوقت نفسه فقد صادقت جل دول المغرب العربي على الاتفاقية الدولية لحماية العمال المهاجرين وأعضاء أسرهم، وهكذا كان المغرب ثاني دولة تصادق على الاتفاقية في 21 يونيو ، 1993 كما صادقت الجزائر على الاتفاقية التي صدرت بالجريدة الرسمية بتاريخ 01/05/2005، والأمر نفسه بالنسبة لليبيا التي اعتبرت الدولة الوحيدة من دول الاستقبال التي تصادق على الاتفاقية.

غير أن هذا العمل يظل رهينا بوقف الاتحاد الأوروبي الشبكات الاخطبوطية المتواجدة في الضفة الشمالية للمتوسط، والتي تخطط لعملياتها بعيداً عن الأعين لتهريب المزيد من الأشخاص الراغبين في الهجرة السرية، متسببة في سلسلة من المآسي الإنسانية والاجتماعية لعائلات الضحايا.

وفي عام ألفين أُقيم حول مدينة سبتة المحتلة سوران بارتفاع خمس وعشرين قدماً، ليمنعا تدفق المهاجرين، فانحصر العديد منهم في مدينة طنجة، ومن بينهم النساء الحوامل اللائي خططن للإنجاب في إسبانيا، كي يحمل أطفالهن الهوية الأوروبية، والبعض حالفهَّن الحظ وعبرن المضيق، أما البعض الآخر فلم يحالفهن الحظ، ولكن الطفل لا يستطيع الانتظار فتلده أمه في المغرب، ويزداد واقعها صعوبة.

وحسب بيانات وزارة الخارجية المغربية إنه خلال سنة ونصف السنة بين 1يناير/ كانون الثاني عام 2000 و30 يونيو/ حزيران عام 2001 طردت أجهزة الأمن المغربية من البلاد أكثر من 15 ألف من الرعايا الأفارقة والآسيويين لدى محاولتهم الهجرة بشكل غير قانوني.

كما أفادت الإحصاءات الرسمية لنفس السنة بمقتل أكثر من 130 مهاجرا غير شرعي، قضى معظمهم غرقا، وهو ما يعادل ضعف عدد قتلى العام السابق.

التأثيرات المحلية للهجرة السرية على بلد العبور وقدرات التجاوب: مثال المغرب

لم تعد حالة الهجرة السرية في المغرب تعكس الصورة التقليدية التي كانت سائدة في بداية التسعينات والتي كانت تتميز بهيمنة المحاولات المعزولة التي كان يقوم بها مواطنون مغاربة. وقد أخذت عمليات الهجرة السرية تعتمد على شبكات منظمة ومهيكلة حول شبكات متداخلة تغذي إجراما عابرا للحدود يصعب التحكم فيه.
ويمثل المهاجرون السريون القادمون من البلدان الإفريقية جنوب الصحراء المكون الرئيسي لهذه الظاهرة التي لا تخفى امتداداتها الدولية. في حين شهدت حركة الهجرة السرية للمواطنين المغاربة نوعا من الجمود وتراجعا منذ 2002، وهو التراجع الذي يعود على الخصوص إلى الإجراءات الأمنية الرادعة المتخذة من طرف السلطات المغربية وكذا من خلال حملات التحسيس حول مخاطر الهجرة السرية.
وتعتمد شبكات الهجرة السرية على المستقطبين وموفري الإيواء والناقلين الذين يتوفرون في الغالب على أوراش سرية لبناء القوارب.
وكقاعدة عامة، يحاول المهاجرون السريون العبور إلى الضفة الأخرى بواسطة القوارب أو شاحنات النقل الدولي سواء عبر مضيق جبل طارق أو جزر الكناري. كما يحاول مهاجرون مغاربة آخرون الالتحاق بإيطاليا عبر جزيرة لامبدوزة.ويمثل تدفق المهاجرين السريين الأجانب مشكلا حقيقيا له انعكاسات متعددة حيث لم يعد المغرب بلد عبور، ولكن وجهة نهائية.

طبقا لإحصائيات قامت بها السلطات بمدينة تطوان فقد وصل عدد المرشحين للهجرة السرية الذين ألقي القبض عليهم في السنة الماضية في تطوان وحدها 9100 فرد، من بينهم 1150 فردا ينتمون إلى دول إفريقية أخرى، و تتراوح أعمارهم بين 12 و 40 سنة في الغالب.

و طبقا لإحصائيات الاتحاد الأوروبي فإن م يزيد عن نصف مليون مهاجر سري دخلوا القارة الأوروبية خلال السنة الفارطة، كما تعتقل فرنسا سنويا ما يقارب 15 ألف مهاجر على طول سواحلها.

كما أوقفت السلطات الإسبانية أكثر من 13 ألف مهاجر سري على سواحلها منذ مطلع هذا العام و حتى 31 غشت الماضي، كما ذكرت أنه تم العثور على 130جثة مهاجر غير شرعي قضى معظمهم غرقا دون حساب الجثث التي لم يلفظها البحر.

يقول نيفيز بينيطو خبير شؤون الهجرة في رابطة حقوق الإنسان بإسبانيا : ” إن القوارب التي تقل هؤلاء المهاجرين تغادر السواحل الإفريقية حوالي الساعة الثامنة مساء عندما يكون البحر هادئا، إلا أن العواصف يمكن أن تهب بعد مرور ساعتين فقط”.

وقد مكن تفهم مختلف جوانب هذه الظاهرة مصالح الأمن من ترشيد طرق العمل والتدخل والتحقيق. كما مكن السلطات المغربية من وضع استراتيجيه للمحاربة الشاملة والمندمجة لهذه الظاهرة.

وتندرج الإستراتيجية التي اعتمدت في مجال مكافحة الهجرة السرية ضمن منطق شمولي يجمع بين الأوجه القانونية والمؤسساتية والأمنية والسوسيواقتصادية والتواصلية.
فعلى الصعيد التشريعي، دخل حيز التنفيذ القانون رقم 03-02 حول دخول وإقامة الأجانب في المغرب والهجرة المعاكسة في نونبر 2003. وكان الهدف من ذلك يقضي بتوحيد القوانين السابقة وضمان الانسجام بين المقتضيات الجديدة والقانون الجنائي وترشيد معايير إقامة الأجانب في المغرب وخاصة تقنين المخالفات المرتبطة بالهجرة السرية. وفي هذا السياق تم تجريم تهريب المهاجرين حيث أصبح مرتكبو هذه الأعمال معرضين لعقوبات سجنية تتراوح بين عشر سنوات والمؤبد. كما يحمي هذا القانون حقوق الأجانب ما دامت طرق اللجوء إلى القضاء معروفة بشكل واضح.
وعلى الصعيد المؤسساتي تم اتخاذ إجراءين قويين لتعزيز هذه الترسانة من القوانين ويتعلق الأمر بإنشاء مديرية لشؤون الهجرة ومراقبة الحدود على مستوى وزارة الداخلية ومرصد الهجرة.
وسيمكن إنشاء مديرية الهجرة ومراقبة الحدود التي تتولى تحديدا هذه المهمة مع اختصاصات ومجال عمل واضحين، من حشد أدوات التحليل وترشيد نشر وحدات للمراقبة. كما تسمكن من مراقبة نقط التسرب التي يلجأ إليها المهاجرون السريون على طول الحدود. ويتيح إنشاء هذه الهيئة التوفر على جهاز فعال للتدخل تساعد قدرته على التحرك والانسجام على التكيف مع الأساليب المتطورة لشبكات الهجرة.
وتتجلى المهمة المناطة بهذه الهيئة في مستويين : مستوى للتحليل حول شبكات الهجرة السرية على الصعيدين الوطني والدولي، ومستوى ثاني يخص الدعم العملي لمراقبة الحدود.
ويكمن دور المرصد في إشراك كل الأطراف المعنية في التفكير المتعدد الاختصاصات حول مسألة الهجرة وخاصة المجتمع المدني والباحثين. كما انه يقوم مقام بنك للمعلومات الإحصائية على الصعيد الوطني.

ويعد التعاون الدولي بطبيعة الحال أحد ركائز مكافحة الهجرة السرية، حيث تقوم مساعي المغرب على مبدأ المسؤولية المشتركة مع شركائه. وفي هذا الصدد يمثل تعاون المغرب مع كل من اسبانيا والاتحاد الأوروبي ونيجيريا نموذجا للشراكة بين الشمال والجنوب والجنوب جنوب.
فبالنسبة للتعاون مع إسبانيا عقدت المجموعة الدائمة المشتركة المكلفة بالهجرة التي أحدثت في نونبر 2003، أربعة اجتماعات كان آخرها الاجتماع الذي عقد في 15 شتنبر 2004 في قرطبة والذي مكن من تسجيل تقدم ملحوظ. وهكذا انطلقت الدوريات المشتركة بين الدرك الملكي والحرس المدني الاسباني بين مدينة العيون ولاس بالماس في فبراير 2004. كما تم القيام بدوريات مشتركة جوية وأرضية مكنت الأسبان من الوقوف على الجهود التي تبذلها السلطات المغربية وتم توسيع هذه التجربة لتشمل منطقة المضيق، حيث تم القيام بأول دورية مشتركة في نونبر 2004. و عين المغرب 4 ضباط ارتباط بمدريد وجزر الكناري والجزيرة الخضراء لدى النظام الالكتروني الذي وضعه الجانب الاسباني لمراقبة مضيق جبل طارق.
من جهة أخرى تم القيام بخمس عمليات من طرف السلطات النيجيرية مكنت من ترحيل حوالي 1700 مواطن نيجيري جوا كانوا يوجدون في وضعية غير قانونية بالمغرب. وجرت عمليات الترحيل التي تعتمد على العودة الطوعية في إطار احترام حقوق الإنسان وكرامة الأشخاص.
ويتفاوض المغرب حاليا مع الاتحاد الأوروبي حول اتفاق إعادة القبول. كما أن الجانبين يوجدان على وشك التوقيع على اتفاقية لتمويل برنامج مخصص لمراقبة الحدود يندرج في إطار برنامج “ميدا” ويشتمل على ميزانية تقدر بأربعين مليون أورو.
ولا يجب في هذا الإطار إغفال البعد السوسيواقتصادي حيث يدعو تبدو ضرورة عدم التركيز على الجانب الأمني، وتفضيل المعالجة الاقتصادية لظاهرة الهجرة من خلال التنمية المشتركة التي توفر مناصب الشغل من اجل تثبيت المرشحين المتحملين للهجرة.
وقد نص اتفاق الشراكة المغربي الأوروبي على وضع مجموعة عمل مكلفة بالشؤون الاجتماعية والهجرة ويتمثل أحد أهدافها في بلورة مشاريع صغرى في المناطق التي يحتمل أن تكون منطلقا للمهاجرين.
كما تؤخذ التوعية والبعد الإعلامي بعين الاعتبار، ويكمن هدف الاستراتيجية المعتمدة في تحسيس المرشحين المحتملين من خلال وسائل إعلام مختلفة (روبورتاجات، ووصلات تلفزيونية، والصحف، وموائد مستديرة، وأفلام وثائقية… الخ) لتسليط الضوء على مخاطر الهجرة السرية واحتمال استغلال المهاجرين من طرف شبكات التهريب، وإطلاعهم على فرص الهجرة الشرعية كبديل.

لقد فجرت أحداث دجنبر 2006 المرتبطة بترحيل السلطات المغربية لمئات المهاجرين الأفارقة إلى المنطقة الحدودية مع الجزائر من جديد مشكل هذه الفئة من الحالمين بالعبور إلى الضفة الأخرى، والذين يتخذون من المغرب مستقرا إلى حين موعد السفر إلى أوربا. وكان الحدث مناسبة لفتح النقاش مجددا حول طريقة تدبير المغرب لهذا الملف الشائك الذي يفرض عليه نوعا من التوازن بين مراعاة مصالحه الوطنية والتزاماته الدولية وبين أهمية احترام الاتفاقيات والقوانين الدولية في مجال حماية حقوق المهاجرين واللاجئين. وتقدر تقارير صحفية عدد المهاجرين السريين القادمين إلى المغرب من دول جنوب الصحراء ب 15 إلى 19 ألف شخص. ولعل واقع الحال يشهد أن هذه الأعداد في ارتفاع رغم حديث السلطات المغربية عن تراجع في نسبة المهاجرين السريين وصلت حسب خالد الزروالي العامل مدير الهجرة ومراقبة الحدود بوزارة الداخلية إلى 65%. فحضور المهاجرين الأفارقة يزداد قوة في تأثيث المشاهد اليومية للمدن الرئيسية للبلاد، مع ما أصبح يصحب هذا الحضور من مظاهر الفقر والتسول وربما الجريمة في أحيان نادرة. وإذا كان المغرب يعتبر أنه يبذل جهودا كبيرة رفقة شركائه من أجل الحد من إشكالية الهجرة السرية بجميع جوانبها، مؤكدا على ذلك من خلال إحداث آليات تشريعية ومؤسساتية وعمل ميداني مكثف ومتواصل، فإن بعض الممارسات تظهر أن هذه الاستراتيجية ما تزال في حاجة إلى نوع من الضبط والوضوح، وهو ما برز من خلال أحداث دجنبر الماضي التي أفادت المصادر أنها لم تخل من ممارسات تعسفية في حق المرحلين على رأسها وقوع نوع من الخلط بين فئاتهم وكذا عدم مراعاة حقوقهم الإنسانية. وقد ظهر هذا لاضطراب جليا أيضا في البلاغ الذي أصدرته وزارة الخارجية والتعاون على إثر هذه الأحداث والذي نفت فيه بالمطلق وجود معاملة سيئة في حق المرحلين أو حتى وجود بعض اللاجئين من بينهم، وهو الأمر الذي تفنده الوقائع المشيرة أن عددا منهم يتوفرون فعلا على أوضاع قانونية أو في طور التسوية وأنه تم إعادتهم إلى داخل التراب الوطني لاحقا، بينما بقيت التساؤلات تحوم حول مصير عشرات آخرين. الجمعيات الحقوقية المغربية والدولية والتي أصدرت بيانات وتقارير حول الموضوع، لم تغفل أن تشير إلى الإكراهات تي يواجهها المغرب كدولة عبور للمهاجرين السريين إلى أوربا، وإلى المنطق الأمني الذي تضغط به الدول الأوربية على شركائها من أجل إغلاق الحدود الأوربية في وجه جميع المهاجرين. إلا أنها ركزت في نفس الوقت على ضرورة احترام المغرب للمبادئ الأساسية لاحترام حقوق الإنسان وحقوق المهاجرين وكذا المقتضيات القانونية والاتفاقيات الدولية، خاصة قانون 02-03 الذي كان المغرب سباقا إلى إقراره في هذا السياق، وكذا اتفاقية جنيف حول أوضاع اللاجئين واتفاقية حماية العمال المهاجرين وأسرهم، و ذلك خلال جميع العمليات التمشيطية التي تقوم بها السلطات المغربية وعمليات الترحيل بتنسيق مع ممثلي الدول الأصلية للمهاجرين على التراب المغربي.

ورغم غياب إستراتيجية أوروبية أفريقية لمحاربة الهجرة غير القانونية فإن الأمر لم يخل من بعض المبادرات المشتركة في هذا الاتجاه والتي يمكن أن نلخصها فيما يلي:

· إطلاق مبادرات مشتركة بين الدول المجاورة لمراقبة الحدود البحرية. وقد يتعلق الأمر بتنظيم دوريات مشتركة لكن مثل هذه المبادرات تبقى محدودة، فهي إلى جانب كونها تتطلب تنسيقا لوجستيا فإنها غالبا لا يمكنها أن تمتد إلى كافة المناطق البحرية، وبالتالي فإن فعاليتها تظل محدودة.

· تنسيق التعاون الأمني على مستوى المعلومات والمعطيات لتفكيك الشبكات العاملة في هذا الإطار. وفي هذا السياق تم منذ عام 1992 إحداث مركز المعلومات والتفكير والتبادل بهدف تنمية التعاون بين مختلف الدول فيما يتعلق بالهجرة غير الشرعية وتنظيم الانتقال عبر الحدود.

· إحداث مجموعة تريفي (TREVI) التي تضم وزراء العدل والداخلية، وتستهدف اتخاذ إجراءات بين مختلف الدول المتوسطية لمراقبة الحدود وتحديث الترسانة القانونية لردع المهاجرين السريين وكذلك الشبكات المختلفة العاملة في هذا المجال والناقلين سواء منهم البريين أو البحريين أو الجويين الذين أصبحوا مدعوين إلى الالتزام باليقظة في مراقبة الأشخاص الذين يتم نقلهم بين الدول.

· السعي في ظروف سياسية خاصة مع وصول حكومات أكثر اهتماما بالمعاناة الاجتماعية إلى تسوية أوضاع هؤلاء المهاجرين السريين انطلاقا من بعض الشروط وفي ظل ما يسمى بنظام الحصص، وذلك لإدماجهم ضمن النسيج المجتمعي والتخفيف من معاناتهم داخل المجتمع الذي يقيمون فيه بشكل غير قانوني. وهذا هو المسار الذي سارت فيه بداية الحكومة الإسبانية بقيادة رئيس الوزراء ثاباتيرو قبل أن تظهر مؤخرا بعض التراجعات.

ويبدو إجمالا أن دخول بلدان المغرب العربي بقوة إلى معادلة الهجرة الدولية لا كدول مصدرة في أغلبها للهجرة فحسب، بل كدول عبور للمهاجرين السريين ومن ثمة دول استقبال مؤقت بل دائم لهم في بعض الأحيان، يجعلها فضاءا نموذجيا للتفكير والعمل مع أطراف المعادلة الأخرى في تعميق وأجرأة مقاربة التنمية والهجرة، وهي مقاربة يخشى مع التحديات المستجدة التي يطرحها موضوع الهجرة غير القانونية خصوصا أن تتحول إلى دائرة مفرغة تبدأ عند المهاجر الذي يتأثر من الحالة الاقتصادية الصعبة ووضعيته الاجتماعية الهشة في بلدان المصدر، ومن ثمة يبدأ في التفكير بطرق قانونية للهجرة قصد تحسين وضعه المعيشي، إلا أن تشديد الإجراءات القانونية المطلوبة للهجرة القانونية، نتيجة المقاربة غير التشاركية لبلدان الشمال يجعلة يفكر، بضغط من واقعه في طرق “بديلة” للهجرة، ما يوقعه في مشكلات الهجرة غير القانونية وشبكات تهريب البشر عبر الهجرة السرية وقوارب الموت وغيرها من المآسي المصاحبة لهذا النوع من الهجرة،وهنا يأتي تدخل دول المقصد على مستوى الإجراءات الاحترازية من وصول أعداد غير متحكم بها من المهاجرين إلى أراضيها من جهة ومن جهة ثانية عبر التفكير في دعم ظروف استقرار المهاجرين المحتملين ببلدانهم الأصلية، ما يجابه بمعضلة تخلف معدلات التنمية التي تسمح لهم بالاستقرار من خلال استيعابهم في النسيج الاقتصادي لبلدانهم، فتبدأ حلقة البحث عن الهجرة من جديد.

ولعل بلدان المغرب العربي بمزاوجتها بين الإجراءات القانونية والميدانية التي تستهدف الحد من الهجرة غير القانونية العابرة لأراضيها، وبين مزيد من الانخراط في مبادرات الشراكة البينية والشمال/جنوب بين ضفتي المتوسط، والدعوة المستمرة للشركاء الأروبيين لتحمل مسؤولياتهم كاملة عبر مقاربة تشاركية عنوانها التنمية بديلا للهجرة غير القانونية، تكون بصدد فتح ورش دولي للإفادة منه في مستقبل التعامل مع الأشكال المستجدة للهجرة.

[1] .من شروط الانضمام إلي عملية برشلونه قيام الدول العربية المتوسطية بإصلاحات اقتصادية وسياسية، ولمعرفة المزيد انظر للمؤلف: الشراكة الأوروبية-المتوسطية: ترتيبات ما بعد برشلونة. (طرابلس: منشورات معهد الإنماء العربي، 2002)، الشراكة الأوروبية-المتوسطية: النتائج وردود الأفعال. (طرابلس: منشورات معهد الإنماء العربي، 2002).

[2] John Baylis and Steve Smith (Eds.), The Globalization of World Politics: An Introduction to International Relations. (Oxford: Oxford University Press, 1999), p. 434.

[3] المرجع السابق، ص432-436.

[4] Paul Hirst and Grhame Thompson, ‘Globalization and International Economic History,’ in David Held and Anthony McGrew (Eds.), The Global Transformations Reader: An Introduction to the Globalization Debate. (Cambridge: Polity Press, 2001), pp. 274-286.

[5] Fred Halliday, ‘ Global Governance: Prospects and Problems,’ in Ibid., pp. 431-441.

[6] Daniel A. Yergin and Joseph Stanislaw, ‘The Woven World,’ in Ibid., p. 326.

[7] .Naomi Chazan, Politics and Society in Contemporary Africa. (Boulder: Lynne Rienner Publishers, 1999), p.321.

[8] .انظر في هذا الشأن: د. مصطفى عبد الله أبو القاسم خشيم “توازن القوى في إطار النظام العالمي الجديد،”مجلة دراسات 4، 13 (2003):7-38.

[9] Wayne A. Cornelius, et. al. (Eds.), Controlling Immigration: A Global Perspective. (Stanford: Stanford University Press, 1995), p. 398.

[10] Fred Halliday, ‘ Global Governance: Prospects and Problems,’ in David Held and Anthony McGrew (Eds.), The Global Transformations Reader: An Introduction to the Globalization Debate. op. cit., p. 438.

[11] John T. Rourke and Mark A. Boyer, World Politics: International Politics on the World Stage. (New York: McGraw-Hill, 2000),p.391.

[12] Wayne A. Cornelius, et. al. (Eds.), Controlling Immigration: A Global Perspective, op. cit.

[13]المرجع السابق، ص393

[14] المرجع السابق، ص393.

[15] د. محمود أبو العينين في: د. حمدي عبدالرحمن حسن (تحرير)، أفريقيا والعولمة،(القاهرة: برنامج الدراسات المصرية الأفريقية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، 2004)، ص197.

[16] نفس المصدر، ص 199، ص200.

[17] ينظر في ذلك: نشرة حقوق المهاجرين، مركز حقوق المهاجرين، العدد (1)، الرباط، 4/2004 ص6.