في ماهية القيم وفلسفتها

لكل مجتمع إطار من القيم والاتجاهات التي تحكمه وتوجه ثقافته،وتعد القيم إحدى مكونات الثقافة بمعناها الواسع الذي يمكن أن نعبر عنه بأنه البناء العلوي للمجتمع والذي يشمل العقائد والقيم والعادات . وتؤدي القيم دوراً هاماً في تحديد سلوك الأفراد وتوجهاتهم في المجتمع الذي نعيش فيه كما تؤدي نفس الدور في تحديد سلوك الجماعة وتفاعلها بمختلف أشكال السلوك الاجتماعي

ولعلنا لانجانب الصواب إذا قلنا بأن دراسة القيم ليست شيئاً جديداً في ميدان المعرفة، فقد لقيت دراستها عناية بالغة واهتمام كبيرين بين المفكرين والفلاسفة، ومازالت القيم منذ القديم وإلى اليوم محوراً لخلافات أساسية بين المدارس الفكرية والمذاهب الفلسفية. ويهمنا في حدود هذه المفالة أن نباشر التفكير في دلالات هذا المفهوم في حقل فلسفة التربية وهي تسعى لتطوير أدواتها وتعقل ظواهرها وتوابعها المتعلقة بالسلوك الإنساني في ضوء أطروحات ومناهج البحث الأخلاقي المعاصر.

مفهوم القيم :

تعد القيم الإنسانية مرجعا وموجها لسلوك الإنسان ، حيث تتحدد إتجاهاته و ميوله وأنشطته المختلفة داخل مجتمعه من خلال قيم ذلك المجتمع .

وقد ارتبط مفهوم القيمة لغوياً بمعنى ثمن – قدر ، وقد استخدمت لمعرفة قيمة الشيء فقيمة الشيء قدره ،و قيمة المتاع ثمنه ،والقيمة ثمن الشيء بالتقويم وفي المعجم الوسيط قيّم الشيء تقييماً أي قدره ،وقد استخدمت القيمة كذلك بمعنى التعديل[1].

والملاحظ على أن دلالة كلمة القيم تختلف من ثقافة إلى أخرى فمثلاً في اللغة الفرنسية معنى الكلمة له مدلول نفسي ومعنوي أما في اللغة الإنجليزية فيرتبط مفهوم الكلمة بالجانب العملي.

” وأمّا ّمعنى الكلمة في اللغة العربية فلابد أنه يرتبط أيضاً بهذه الثقافة العربية ويظهر ذلك من المعنى اللغوي لها في المعاجم الخاصة باللغة العربية فهي تعني ” تنمية الشيء وقدر قيمة المتاع أي ثمنه “[2].

وإذا نظرنا إلى المعنى الوظيفي لها فقد نص القاموس التربوي على أن القيمة هي صفة ذات أهمية لاعتبارات نفسية ، أو اجتماعية ، أو أخلاقية وهي بوجه عام موجهات للسلوك والعمل[3].

ويقول بارتن ليفي في تعريفها إنها أي الشيء هو موضوع اهتمام أو نفع فهو من ثم القيم في ذاته[4].

ويرى محمود كاظم أنّ القيم مقياس أو مستوى له ثبات واستمرار لفترة زمنية يؤثر في سلوك الفرد تأثيراً يتفاعل مع مؤثرات أخرى ؛ لتحديد السلوك في مجال معين[5].

وأعتبرها عطية هنا ” عبارة عن تنظيمات معقدة لأحكام عقلية وانفعالية مصممة نحو الأشخاص ، أو الأشياء ، أو المعاني سواء أكان التفضيل الناشئ عن هذه التقديرات المتفاوتة صريحاً أم ضمنياً ،و إن كان من الممكن تصور هذه التقديرات على أساس أنها امتداد يبدأ بالتقبل ويمر بالتوقف وينتهي بالرفض .

ويرى براي بروك إنّ القيم عند بعض الأفراد تعني أن لديهم اتجاهات إيجابية حيال بعض جوانب الحياة وأخرى سلبية تجاه بعضها بمعنى أنّ الأفراد بحكم مالديهم من قيم مهيؤون لاختبارات معينة دون غيرها من البدائل ،فالقيم هنا تكشف عن نفسها من خلال اختبار بديل من بدائل يترجم هذه القيمة المحتضنة[6].

أما السيد الشحات أحمد حسن يرى أن القيم ” حكم يصدره الإنسان على شيء ما مهتدياً بمجموعة من المبادئ والمعايير التي ارتضاها الشرع محدداً المرغوب فيه والمرغوب عنه من السلوك[7].

ويرى ناهد نصر الدين في دراسته التي طبقها على بعض طلاب جامعة القاهرة حول موضوع تدعيم الانتماء لدى الشباب بأن القيم هي المثل العليا التي ينشدها الإنسان لذاتها ولايلتمسها ؛ لغرض يبتغيه من ورائها[8].

هذا ويمكن القول بأنّ القيم محددات سلوكية ارتضاها مجتمع معين للحكم على الأشياء، والأشخاص، والمواقف من حوله

وعلى ضوء ما سبق ذكره من تعريفات متعددة حول موضوع القيم بل قد تكون في بعض الأحيان متضاربة فأنه يمكن تصنيف التعريفات الخاصة بالقيم إلى فئات هي :

· أولاً : تعريفات لقيم من خلال مؤشر الفعل والأنشطة السلوكية .

· ثانياُ : تعريفات لقيم من مؤشر الاهتمامات والاتجاهات .

· ثالثاً : تعريفات لقيم من خلال مؤشّري الاتجاهات والأنشطة السلوكية .

أولا : تعريفات لقيم من خلال مؤشّر الفعل والأنشطة السلوكية

تقوم هذه التعريفات على فكرة أنّ المؤشر الرئيس للقيم هو السلوك، فالقيم التي يتبناها الأفراد عوامل محددة لسلوكهم .

وفي ضوء هذا الاتجاه يعرّف زرتشر عام 1965م Zurcher,jet,al القيم بأنها التزام عميق من شأنه أن يؤثر على الاختيارات بين بدائل للفعل ، فاحتضان قيم معينة بواسطة الأفراد ، إنما يعني بالنسبة لهم أو بالنسبة للآخرين ( توقعاً ) ممارسة لأنشطة سلوكية معينة تتسق مع ما لديهم من قيم[9].

ثانياً : تعريفات لقيم من خلال مؤشر الاهتمامات والاتجاهات

تقوم هذه التعريفات على فكرة أن المؤشر الرئيس للقيم هو الاتجاهات، فالقيم عند الأفراد إنما هي اهتمامات، أو اتجاهات أشياء،أو مواقف أو أشخاص .

وفي ضوء هذا المنظور يرى براي بروك عام 1969م Bray Broke أن القيم عند بعض الأفراد تعني لديهم اتجاهات إيجابية حيال بعض جوانب الحياة ،و أخرى سليبة تجاه بعضها . وبمعنى أن الأفراد بحكم ما لديهم من قيم مهيئون لاختيارات معينة دون غيرها من البدائل . فالقيم هنا تكشف عن نفسها من خلال اختيار بديل من بين البدائل يترجم هذه القيمة المحتضنة[10].

ثالثاً : تعريفات لقيم من خلال مؤشري الاتجاهات والأنشطة السلوكية

تقوم هذه التعريفات على فكرة الجمع بين الاتجاهات والسلوك كمؤشرات للقيم . ويعتبر رايش Reich.1976 أحد ممثلي هذا الاتجاه .فهو يرى أن الاتجاهات والفعل هما تناج توجهات القيم.

الاتجاهات الفلسفية وموقفها من القيم :

اختلفت أراء الفلاسفة في تفسيرهم مفهوم القيم ، بل وتضاربت آراؤهم في هذا المجال فهناك نظريات تنظر للقيم من المنظور الطبيعي ،ونظريات أخرى تفترض أن قيمة الشيء مجرد شعور ذاتي إلى الإنسان ، ويرى كثير من المفكرين ومنهم هرتزلر Hirtezler أن القيم لا يمكن أن تدرس مستقلة عن الفلسفة، فهي أحدى المباحث الأساسية فيها[11].

وقد اتفقت الاتجاهات الفلسفية المختلفة ومدارسها المتنوعة اتفقت على أن القيم جزء لا يتجزأ من الواقع فهي محرك أساسي له. وفيما يلي استعراض لبعض هذه الفلسفات التي بحثت في مفهوم القيم.

أولا: الاتجاه المثالي

أن النظرية المثالية هي ما تعتمد عليه الفلسفة الأفلاطونية ،وبذلك سمي تعليم أفلاطون بالمثالية ويعرف برتراند رسل النظرية المثالية بأنها نظرية منطقية في بعضا ميتافيزيقية في بعضها الآخر[12].

ويؤمن أصحاب الفكر المثالي بوجود عالمين مادي والآخر معنوي، ويستمد الإنسان قيمه المطلقة والكاملة من السماء ،وتكون هذه القيم خالدة غير قابلة للتغيير أو الزوال[13].

ويرى فلاسفة الاتجاه المثالي أن هناك عالما معقولا فوق الزمان والمكان توجد فيه كل الحقائق الممكنة ،و تعتبر القضايا الإنسانية صادقة بمقدار ما تجئ مطابقة لتلك الحقائق الأولية.

وتنظر الفلسفة المثالية في النهاية إلى القيم على أنها مطلقة وثابتة ، فالخير والجمال ليسا من صنع الإنسان بل هما جزء من تركيب الكون ،و الخير هو الانسجام والانتظام ،والتكامل ،والشر عكس ذلك وقد ترتب على اعتقاد المثالين على اختلاف مذاهبهم – بأن الحقائق المطلقة والقيم الثابتة تنتمي إلى عالم ميتافيزيقي – أن أصبح العالم المثالي أسمى من العالم الواقع ،والعقل أولى من الجسد ،والروح أعظم من المادة .

وهذا الاتجاه الميتافيزيقي يتجاهل الفرد باعتباره وحدة اجتماعية متفاعلة مع الإطار الاجتماعي حوله ، وبذا نزع الفرد من إطاره الثقافي. وأما ما يتولد فيه من قيم واتجاهات مردها إلى التفاعل المستمر مع خبرات الماضي والحاضر .

ثانياً : الاتجاه الواقعي

تؤمن هذه الفلسفة على أن القيم هي قيم حقيقية موجودة في الإطار المادي،ويرى مؤيدوها بأهمية إعمال العقل والتفكير المنطقي ،والقيم في منظور الفكر الواقعي هي قيم نسبية وليست قيما مثالية كما يرى الاتجاه المثالي[14].

ثالثاً : الاتجاه البرجماتي والنسبي

تعد القيم في هذه الفلسفة قيما نسبية فأصحاب هذا الرأي لا يؤمنون بوجود القيم الأخلاقية ،وتؤكد الفلسفة البرجماتية بأهمية البيئة الخارجية للإنسان وتأثيرها على سلوكه[15].

رابعا : القيم من منظور الفلسفة الإسلامية

تستمد الفلسفة الإسلامية نظرتها للقيم من خلال المصدران الأساسيان للتشريع الإسلامي وهما القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ،وتنظر الفلسفة الإسلامية للقيم على أنها قيم مستمرة،وتمتلك خاصية التكيف مع مستجدات العصر دون فقدان جوهرها ، كما أنها قيم يمتثل لها المسلم بوازع ديني إيماني وليس برقابة اجتماعية أو قانونية[16] (3) .

نظريات القيم في الفلسفة الحديثة :

تقارب الأبحاث الاجتماعية والأخلاقية المنتجة في فضاء الفكر الفلسفي الحديث والمعاصر، ظاهرة استمرار حضور الظاهرة القيمية بالصورة التي هي عليه في العديد من المجتمعات الإنسانية ، الإسلامية منها والغربية على السواء. بعضها يرتبط بأسئلة الفعل القيمي الإنساني في الثقافة العربية، والبعض الآخر منها يتصل بطبيعة الانجازات التي تبلورت في هذا المجال ومدى مطابقتها للأسئلة التي تطرحها نظريات القيم في الفلسفة المعاصرة. ونحن نقصد هنا بالذات

المواقف الفكرية التي بلورها النقاش الفلسفي الأخلاقي في سياق مقاربة إشكالات الفعل القيمي التي نشأت على تخوم البحث في الظواهر الإنسانية. ويتعلق الأمر هنا تحديدا بنظريات القيم التالية:

1-النظريات المادية

2-النظريات المثالية

3-النظريات الواقعية

أ- النظريات المادية الحسية

تؤكد هذه النظريات ، في رؤيتها لأحكام القيم ، بأن أحكام القيمة تكشف لنا عما هو خير، وعما هو شر ، ولكي نحكم على شيئ ما بأنه ذو قيمة فيجب علينا أن نقول وفق هذه النظريات على أن هذا الشيء أنه موضوع لذة .

وترى هذه النظريات بأن النظريات الأخلاقية الوحيدة التي تتصف بالخير ولها قيمة في ذاتها ، وأن أفضل الأفعال هو الفعل الذي تنتج عنه لذات كبيرة، كما ترى أنّ معيار القيمة يكمن في اللذة بذلك تكون اللذة الأخلاقية الوحيدة التي تتصف بالخير[17].

ويبدو أن هذه النظرة الحسية إلى القيمة قد ألغت الفرد من حاسبها ونظرت إلى اللذة أو السرور في استقلال عنه ،وقد تصورت هذه النظريات بالإنسان ، بأنه كأس مملوء بالسرور كما يملأ الوعاء وبالتالي يمكن قياسه ، والحقيقة التي نؤمن بها ، بأن الإنسان كائن له سلوك معين يهدف الى أشياء سامية ومثل عالية ،وأن السرور لا يمكن أن يقاس .

ويشار إلى أن هذه النظريات المادية الحسية قد أهدرت القيم الأخلاقية والروحية ،وجعلتها تابعة لأساس معين هو الأساس المادي الاقتصادي .

ب النظريات المثالية

تنظر هذه النظريات إلى القيم من ناحية الإنسان أو الفعل الذي يقيم ، فالإنسان في هذه النظريات هو كائن مستقل ، شاعر بالدور الذي عليه أن يقوم به في خلق القيم ،وإبداعها أو المساهمة فيها ، أما فاعليته فعلينا أن ننظر إليها نظرة مستقلة أيضا ،إذ إنه كائن ذو عقل يحكم به على الأفعال من ناحية الخير أو الشر ،و على الأشياء من ناحية جمالها أو قبحها[18]. 

جـ/ النظريات الواقعية

يرى أصحاب هذه النظريات على أن للقيم وجوداً مستقلاً عن فاعلية الإنسان الذهنية أو السلوكية، ومعنى هذا أتهم لا يسلمون للمثاليين بأن الإنسان خالق للقيم ، كما يعارضون ما ذهب إليه أنصار الاتجاه المادي في نظرتهم إلى القيم على أنها وقائع طبيعية أو سيكولوجية اجتماعية ، وهم بذلك يعارضون في نظرتهم للقيم بأن تكون القيم جزءاً من الوجود المادي .

ومن القائلين بهذه النظريات الواقعية – وذلك على سبيل المثال لا الحصر – هو الفيلسوف الإنجليزي صموئيل ألكسندر ( 1859-1937 ) S.Alexander الذي يرى أن اختلاط الذات بالموضوع هو الذي نستطيع أن نصفه بالحق أو الخير أو الجمال . ومعنى هذا أن الإنسان عنصر ضروري لوجود القيم ، لكن لا يعني هذا أنها من خلقه وإبداعه[19].

مصادر القيم :

تباينت آراء المفكرين والفلاسفة وتعددت حول المصدر الرئيس للقيم ، فمنهم من اعتبر أن الدين هو أساس القيم ، ومنهم من رأى بأن العقل هو المصدر الرئيس للقيم، بينما يذهب فريق آخر إلى أن المجتمع هو أساس مصدر القيم . والبيانات التالية تحاول تأكيد هذا التصنيف.

1- الدين :

يعّد الدين من المصادر الأساسية للقيم نظراً لإن الأديان أتت لإصلاح ما فسد في المجتمع ، وأتت هذه الأديان بالتعاليم والإرشادات التي أمرت البشر بالتمسك بها ،وأن تعاليمها هو أساس الحكم على الأشياء بالحسن والقبيح وعلى المباح والمحرم. فما وافق الشرع فهو حسن، وما خالفه فهو قبيح يعاقب فاعله . ففي هذا السياق تؤكد بعض الدراسات بأ ن:” الدين هو المصدر الرئيسي للقيم وهو محك صلاحيتها . فالقيم التي يجد لها الناس أصلاً في الدين يقبلونها ويرفضون تلك التي تتعارض مع تعاليمه المقدسة.”[20].

2- العقل:

يرى أصحاب هذا الرأي بأن العقل هو القادر على تحليل المواقف المختلفة ، واستنباط القيم التي يمكن أن يتبناها الناس ، وأن العقل السبيل الوحيد للوصول إلى قيم حقيقية لأنه يضع في تصوره المصلحة العامة ،والأهداف التي تقود المجتمع إلى بناء قيم حقيقية صالحة لذلك المجتمع.

وقد ذهب أصحاب هذا الرأي إلى أن العقل الإنساني باعتباره ملكة مشتركة بين الناس جميعاً يعتبر هو الآمر المطلق و المصدر السامي الذي يشرع لكل خلق،والذي يفرض سلطانه على عقل الأفراد وحياتهم[21].

3- المجتمع :

يستند أصحاب هذا الرأي في قولهم بأن المجتمع هو مصدر أساس للقيم على عدة مسلمات منها:

· أن ثبات القيم على اختلاف أنواعها يتوقف على مدى مواكبتها لحاضر أمة من الأمم وأصالة ماضيها ، وتطلعاتها للمستقبل.

· أن الهدف الرئيسي لاشتقاق القيم في المجتمع يرجع إلى الرغبة في إصلاحه وتطويره ورفاهية أبنائه.

· أن الناس حين يرغبون أو ينقلون شيئا ما إنما يتأثرون بثقافة المجتمع الذي يعيشون فيه.

· أن لكل مجتمع طابعه الخاص به في نظرته إلى الصفات والخصائص التي بها تحدد القيم لذلك المجتمع ،لذا يرتبط مصدر القيم في المجتمع نفسه.

· تلعب اللغة الدور البارز في إظهار القيم والمحافظة عليها عبر الزمان .

إن المجتمع بما يحتويه من عادات وتقاليد ونظم وأعراف يسهم في صنع القيم[22]. وللمجتمع مؤسساته المختلفة، لإكساب القيم لأفراده ومنها الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام

· الأسرة: تعتبر الأسرة هي البيئة الطبيعية لتربية الطفل وإكسابه الصفات الأخلاقية من أبويه وأسرته ولذلك تعتبر التربية المنزلية من دعائم إكساب القيم للأطفال.

· المدرسة: تعد المدرسة المؤسسة الرئيسية لإكساب القيم لأفراد المجتمع، فهو يلقي عبئا كبيرا على كاهل المدرسة في تكوين أخلاقيات المتعلم وإعداده للحياة الصالحة.

· وسائل الإعلام: تعد وسائل الإعلام المختلفة إحدى المصادر الرئيسية في إكسابه القيم التي يرغب المجتمع في إكسابها لأفراده.

” ومما سبق يتضح أنه لا تعارض إطلاقاً بين هذه المصادر في بناء القيم ، بل يجب أن يتعاون الدين والعقل والمجتمع في صناعة القيم ، فالدين يقر العقل ولا ينكره ولا يقلل من شأنه ودوره في حياة الإنسان ، كما أن العقول المستنيرة الواعية لا تنكر أهمية الدين وضرورته ، كما أن الدين والعقل يسعيان لإصلاح وخدمة رفاهية المجتمع ، ويقدران دوره ومن ثم فأن تلك المصادر لا غنى عنها معا في بناء القيم التي تسعى لرفاهية البشرية “[23].

خصائص القيم :

تمتاز القيم بمجموعة من الخصائص الأساسية لعل من أهمها:

1. القيم ذاتية : تتعلق القيم بالطبيعة النفسية للإنسان حيث تشمل بذلك الرغبات والميول والعواطف وهذه الرغبات والميول والعواطف تتغير من شخصا إلى آخر ومن جماعة لأخرى[24].

2. القيم موضوعية : هناك بعض القيم التي أتفق عليها الناس فمثلاً بعض القوانين العلمية مثل قانون الجاذبية وبعض الأعمال الفنية مثل لوحات ليوناردو دافنشي أجمع عليها الناس فنقول عنها إنها موضوعية[25].

3. القيم نسبية : أي أنها ليست مطلقة بل تمتاز بالثبات النسبي وهي تختلف من فرداً لآخر وذلك لعوامل الزمان والمكان والثقافة[26].

4. القيم متعلمة ومكتسبة : أي أنها مكتسبة من خلال البيئة وليست وراثية .

5. القيم ذات منطق جدلي : تمتاز القيم بشمولها لقطبين متناقضين مثل الحق والباطل والخير والشر.

6. القيم متسامية : لدينا جميعا إحساس بعلو القيمة وتسامي قدرها وقد يكون علو القيم مصدرها الضمير الذي يفترض هذه القيم أو يكون مصدرها المجتمع الذي يشعره بالإلزام تجاه القيم .

7. القيم متغيرة : تتصف القيم بأنها ليست ثابتة بل متغيرة نتيجة للحراك الاجتماعي والتفاعل المستمر بين الفرد وبيئته .

8. القيم مثالية : تتميز القيم أنها غير مادية وغير محسوسة بل هي قيم معنوية .

9. القيم تتصف بالترتيب الهرمي : هناك قيم تتفوق على غيرها وقد يلجأ الفرد لإخضاع القيم الأقل قبولا في المجتمع للأكثر قبولا .

10. القيم إنسانية : ترتبط القيم بالإنسان وليس بأي كائن آخر[27].

11. القيم تتصف بصعوبة القياس : تتصف القيم على أنها صعبة القياس وذلك بسبب طبيعة الظواهر الإنسانية المعقدة والغير محددة التي ترتبط بها القيم .

12. القيم تتصف بتعددها وكثرتها : تتميز القيم بكونها متعددة وكثيرة ، ويرجع تعددها إلى كثرة حاجات الطبيعة الإنسانية ، فوجود القيم الدينية والاقتصادية والاجتماعية هو استجابة لحاجات هذه الطبيعة .

13. القيم قوة وجدانية : تتضح القيم في الشعور العاطفي أو الانفعالي للإنسان حيث يتجه ذلك الشعور إلى موضوع القيمة أو النفور منه .

14. القيم عملية إنمائية ارتقائية : تعتبر القيم جزء من المنظومة الإنسانية ، حيث تتناسب عبر مراحل عمره المختلفة وتلازمها ،وتخضع لعملية النمو والنضج والنمو في الوظائف والقدرات المعرفية عند الإنسان[28]. 

تصنيف القيم :

يقر علماء الاجتماع والتربية وغيرهم من الباحثين على أن تصنيف القيم عملية عسيرة ومعقدة ، ولذلك نجد الكثير منهم يتجنب تصنيف وتمييز القيم بعضها عن بعض،والواقع أنه مهما يكن في تصنيف القيم من قصور عن الإحاطة بكل أنواعها بأن التصنيف أمرا ضروريا لدراسة القيم وبذلك نجد أكثر من تصنيف منها :

1. تصنيف القيم حسب بعد المحتوى:

لقد تعددت المحاولات لتقسيم القيم من حيث محتواها،فهنالك القيم الجمالية والقيم الدينية والقيم الاقتصادية والقيم الخلقية ، وقد صنف ( سبر ينجر ) القيم من ناحية محتواها إلى ستة أنماط وهي :[29].

· القيم النظرية :

يقصد بالقيم النظرية اهتمام الفرد وميله إلى اكتشاف الحقيقة ويهتم أصحابها بكل ما يهم العلماء والمفكرين والفلاسفة .

· القيم السياسية :

يقصد بها اهتمام الفرد وميله للحصول على القوة والسيطرة على الآخرين .

· القيم الاجتماعية :

وهي اهتمام الفرد وميله إلى غيره من الناس وتعاونه ومحبته لهم .

· القيم الاقتصادية:

تعبر القيم الاقتصادية عن اهتمام الفرد وميله ونحو ما هو نافع وهو في سبيل ذلك يتخذ من العالم المحيطة به وسيلة للحصول على الثروة وزيادتها عن طريق الإنتاج والتسويق واستثمار الأموال.

· القيم الجمالية :

يقصد بالقيم الجمالية اهتمام الفرد وميله إلى ما هو جميل من ناحية الشكل والانسجام والتكوين.

· القيم الدينية :

وهي التي يعبر بها الفرد عن ميله واهتمامه بالقضايا الدينية والبحث عن ما وراء الطبيعة ، ومعرفة أصل الإنسان ومصيره .

2. تصنيف القيم حسب بعد المقصد 

وتنقسم إلى :

أ‌- قيم وسائلية وهي التي ينظر إليها الأفراد والجماعات على أنها وسائل لغايات وأهداف أبعد .

ب‌- قيم هدفيه وغائية ، ينظر الفرد إليها على أنها غايات وأهداف في حد ذاتها .

3-تصنيف القيم حسب بعد الشدة

وتنقسم القيم هنا إلى :

أ‌- القيم الملزمة أو الآمرة أو الناهية ويرى المجتمع أنه من الضروري تنفيذها بالقوة .

ب‌- القيم التفضيلية: وهي القيم التي يشجع المجتمع أفراده على التمسك بها ولكنه لا يلزمهم بمراعاتها.

ت‌- القيم المثالية: وهي القيم التي يحس الفرد بصعوبة واستحالة تحقيقيها ، من ذلك مثلا القيم التي تدعو إلى مقابلة الإساءة بالإحسان.

4- تصنيف القيم حسب وضوحها[30]

تنقسم القيم من ناحية وضوحها إلى قسمين :

أ‌- قيم ظاهرة وهي التي يعبر عنها الفرد باللفظ صراحة.

ب‌-قيم ضمنية وهي تلك القيم التي تستخلص من سلوك الفرد وأنماط اختياره للأشياء دون أن يعبر عنها باللفظ .

5- تصنيف القيم حسب تاريخها[31]

وتنقسم إلى :

أ‌- قيم تقليدية أصلية تتواجد لدى الشباب ذوي الشخصيات الموجهة نحو الآخرين والشخصيات التقليدية .

ب‌-قيم منبثقة عصرية وتتواجد لدى الشباب ذوي الشخصيات الموجهة نحو الذات .

6- تصنيف القيم حسب بعد الدوام

تنقسم القيم على حسب دوامها إلى قسمين ، قيم دائمة وقيم عابرة .

أ‌- القيم الدائمة :هي القيم التي تبقى زمنا طويلا مستقرة في نفوس الناس يتناقلها جيل بعد جيل وهو دوام نسبي مثل العادات .

ب‌-القيم العابرة هي القيم الوقتية العارضة القصيرة الدوام السريعة الزوال مثل القيم الخاصة بالزي والتجميل عند النساء .

7- تصنيف القيم حسب بعد العمومية

تنقسم القيم حسب هذا البعد إلى :

أ‌- القيم العامة وهي القيم التي يعم انتشارها في المجتمع كله مثل الاعتقاد بأهمية الحفاظ على العرض .

ب‌- القيم الخاصة وهي القيم المتعلقة بمواقف أو بمناسبات خاصة ومعينة أو بمناطق محدودة مثل تحريم بعض الأعمال على الأنثى عند بعض الأفراد[32].

وقد اقترح الإستاذ الدكتور عبد اللطيف محمود محمد رئيس قسم أصول التربية بجامعة حلوان بجمهورية مصر العربية ، أقترح تصنيفا ثلاثياً للقيم وذلك على حسب المستويات التالية :

أ‌- المستوى الفردي .

ب‌- المستوى الاجتماعي .

ج- المستوى الإنساني.

والجدول التالي يوضح التصنيف السابق كما وضعه الدكتور عبد اللطيف محمود في كتابه الأصول الاجتماعية للتربية[33].

مستوى القيم

نوع القيم

مفرداتها والتي تظهر في السلوك ويمكن قياسها

1- المستوى الفردي

عقلية – فكرية

الذكاء – العلمية – المنطقية – الموضوعية

نفسية وجدانية

الأنانية الغيرية ، الانطوائية ، الانبساطية ، القلق ، الخوف ، الحب ، الكراهية

أخلاقية ودينية

التدين ، التسامح ، الخير ، الفضيلة ، الحرام ، الحلال ، الإيمان ، الإلحاد ، الكرم ، الشجاعة

2- المستوى الاجتماعي

سياسية

الانتماء ، الوطنية ، القومية ، الأثينية ، المشاركة ، الديمقراطية ، العقيدة ، العدل ، القوة ، الواجب ، الحق ، القانون

اقتصادية

العدل ، النجاح ، الربح ، المنفعة ، المصلحة العامة الإنتاجية

ثقافية – فكرية

التذوق ، الإبداع ، التغير ، التطور ، الثبات ، التاريخية الماضوية ، المستقبلية .

دينية – أخلاقية

المقدسات الدينية ، المحرمات الدينية ، المناسبات الدينية ، العبادات والشعائر الدينية ، البطولة

3- المستوى الإنساني

سياسية

العالمية ، القومية ، السلام ، العدالة ، الحق ، القانون

اقتصادية

المصلحة ، التبادلية ، المنفعة

ثقافية ، حضارية

التطور ، العلاقة مع الآخرين ، النسبية التوفيقية

وظائف القيم :

تعد القيم من مكونات الشخصية للإنسان، لأنها تخدم عدة وظائف . إذ يمكن النظر إلى القيمة باعتبارها معياراً لتوجيه السلوك الصادر عن الأفراد، وبالتالي فهي تجعل الفرد أكثر ميلاً وتفضيلاً لأيديولوجية سياسية أو دينية أو اجتماعية معينة .

من هنا تعد القيم عاملا محددا للطريقة التي يعرض بها الفرد نفسه أمام لآخرين. والقيم هي أيضاً أساس لإجراء المقارنات بين المجتمعات المختلفة . و من ثم فهي تلعب دوراً بارزاً في حل الصراعات واتخاذ القرارات. ذلك ما يحدث في الغالب إن كانت القيم واحدة ومشتركة بين جميع أطراف التعامل وإلا فهي تسبب في خلق الصراعات بين الناس[34].

أساليب تكوين القيم :

هناك عدة أساليب تساعد في تكوين القيم وبلورتها عند الأفراد ومنها :

1- أتباع المثل الصالح : وذلك عن طريق تقليد الصغار للكبار في سلوكهم .

2- الاقتناع : وذلك بعرض الحجج المقنعة التي يقنع بها المستمع ويرضاها .

3- الالتزام بالقوانين : يعد الالتزام بالقوانين من الأساليب التي تساعد في تكوين القيم وذلك عندما تفرض القواعد الفرد سلوكاً معيناً يجب الالتزام به .

4- الإعلام : حيث يقوم الإعلام بطرح بعض المضامين القيمية ، مما يساعد في تشويق الفرد للالتزام بتلك القيم .

5- الأفكار المنبثقة عن الأصول الثقافية و الدينية : ” وهذه الطريقة ذات مفعول سريع إذ يكفي أن تقول لفرد ما خاصة إذا كان متديناً أن هذا هو رأي الدين في موضوع معين حتى يخضع له ويتمثل لمضمونه “[35].

-[1]حمود عطا حسين ، القيم السلوكية لدى طلبة المرحلتين المتوسطة والثانوية في دول الخليج العربية ، الواقع : دليل المعلم . مكتب التربية العربي لدول الخليج ، الرياض ، 2001 ، ص 62

2بداللطيف محمود ، الأصول الاجتماعية للتربية ، غير منشور ، ص 204 .

3السيد الشحات أحمد حسن ، الصراع القيمي لدى الشباب ومواجهته من منظور التربية الإسلامية ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، ص 53

4المرجع السابق ص 53.

5محمود سعود قطام ، دور التربية في مواجهة مظاهر صراع القيم لدى طلبة الجامعة الأردنية ، رسالة دكتوراه غير منشورة ص 29.

6حمود عطا حسين ، القيم السلوكية لدى طلبة المرحلتين المتوسطة والثانوية في دول الخليج العربية ، الواقع دليل المعلم ، مرجع سابق ص 65.

7السيد الشحات أحمد حسن ، الصراع القيمي لدى الشباب ومواجهته من منظور التربية الإسلامية ، مرجع سابق ص 20.

8ناهد نصر الدين ، توظيف القيم الفلسفية في تدعيم الإتتماء لدى الشباب ، دراسة ميدانية على بعض طلاب جامعة القاهرة . ص 16

9محمود عطا حسين ، القيم السلوكية لدى طلبة مرحلتين المتوسطة والثانوية في دول الخليج العربية ، مرجع سابق ص 63- ص 64

10المرجع السابق ص 66

11فوزية دياب القيم والعادات الاجتماعية ، مرجع سابق ، ص 35

12 برتراند رسل ، تاريخ الفلسفة الغربية ، الكتاب الأول الفلسفة القديمة ، ترجمة زكي نجيب محمود مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر 1957 ص 20

13السيد شحات أحمد حسن ، الصراع القيمي لدى الشباب وموجهته من منظور التربية الإسلامية ، مرجع سابق ، ص 59

14رشا جمال نور الدين الليثي ، الطفولة والقيم العلمية الواقع والمأمول ، الطبعة الأولى دار الفكر العربي ، القاهرة 2009 ، ص 106 .

15بول وويج ، ترجمة فكري رياض ، نحو فلسفة التربية ، القاهرة ، عالم الكتاب ، 1966 ، ص 67 .

16المجلس القومي للتعليم والبحث العلمي والتكنولوجيا ، تأصيل القيم الدينية في نفوس الطلاب ، دراسات تربوية ، القاهرة ، عالم الكتب ، المجلد الثامن ، الجزء الثامن ، 1993 ص 217- 218

17يحيى هويدي ، مقدمة في الفلسفة العامة ، دار النهضة العامة ، ط 5 ، ص 275- 276

18يحيى هويدي ، مقدمة في الفلسفة العامة ، مرجع سابق ، ص 282

19فايزة أنور شكري ، القيم الأخلاقية بين الفلسفة والعلم ، مرجع سابق ، ص 43.

20أميل فهمي ، عبد اللطيف محمود ، سهير محمود ، رشاد محمد ، سعاد محمد ، الأصول الفلسفية للتربية ، ثقافة الألفية الثالثة ، القاهرة ، ،2001، ص 172 

21المرجع السابق ، ص 173

22المرجع السابق ، ص 173

23المرجع السابق ص 175 .

24نازي إسماعيل حسين ، نظريات في فلسفة القيم ، مكتبة الحرية الحديثة ، جامعة عين شمس ، القاهرة 1991 ، ص 65- 75 .

25المرجع السابق ص 65- 75

26محمود سعود قظام ، دور التربية في مواجهة مظاهر صراع القيم لدى طلبة الجامعة الأردنية ، مرجع سابق ص 31 .

27أحمد فؤاد الأهواني ، القيم الروحية في الإسلام ، القاهرة 1962 وزارة الأوقاف المصرية ، ص 111

28رشا جمال نور الدين الليثي ، الطفولة والقيم العلمية الواقع والمأمول ، ط 1 ، دار الفكر العربي القاهرة 2009 ص 119

29مصطفى سويف ، مقدمة علم النفس الاجتماعي ، ط 2 ، مكتبة الأنجلو المصرية القاهرة ، ص 325 – 363

30فوزية ذياب ، القيم والعادات الاجتماعية ، مرجع سابق ، ص 82

31سهام أحمد الحطاب ، القيم التقليدية والقيم المنبثقة ، ص 111- 120

32أحمد الخشاب ، الضبط والتنظيم الاجتماعية ، مكتبة القاهرة ، القاهرة 1959 ، ص 93 .

33عبد اللطيف محمود محمد ، الأصول الإجتماعية للتربية ، غير منشور ، ص 232- 233

34أمينة الزدجالي ، القيم المؤثرة في السلوك الإداري لمدير المدرسة الثانوية في سلطنة عمان ، رسالة ماجستير في الإدارة التربوية ، الجامعة الأردنية 1999 ، غير منشورة ، ص9 .

35ا لمرجع السابق ، ص 12