دور التعريب في حماية الحضارة العربية

بسم الله الرحمن الرحيم

وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ (103)

صدق الله العظيم

الأخوات والإخوة الكرام

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أحمد الله الذي أكرمني بمكرمة التواجد بين أساتذة أجلاء .أفتخر بأنني عشب في بستان علمهم، نبت في ظلال دوحتهم ولا سبيل له أن يصل إلى سامق قدرهم مهما ارتفعت به وهاد العلم وهضابها.. فرعاكم الله وأيدكم وأدامكم أساتذة معلمين وقدوة ومنارات علم وفكر…

وأصلي على محمد بن عبدا لله الذي أرسله ربه رحمة للعالمين، ونزل عليه القرآن بلسان عربي مبين، وحفظ به العربية إلى يوم الدين.

إن الترجمة هي البرزخ الذي يمتزج فيه عذب لغة بأجاج لغة أخرى، وهي ميدان التلاقي بين اللغات، على أرضها تنبسط مفردات اللغة وتتحاور الألسن ناطقة بالعلم والمعرفة من كل حدب وصوب، والمترجم ملاح يتنقل بين شواطئ اللغات لذا فإن له خبرة بعبابها.

لكن اللغوي وحده هو المرشد والملاح وهو بوصلة المترجم، فلولا اللغة وأهلها لضل المترجم وغرقت سفنه. فصاحب اللغة يحفظ للغة أصولها فلا تضيع ثوابتها بين ما يستقدمه المترجم من تعبيرات واصطلاحات، والنهضة التي تقوم على كتفي المترجم واللغوي تهدف إلى الحفاظ على ثوابت اللغة وتطويرها، وليس تشويهها، وتخريب أسسها… فاللغوي –والذي لا يقتصر دوره على ذلك- هو الضابط والمحافظ على القواعد اللغوية وهو المقوم للمترجم حين يحيد عن جادة الأسس اللغوية، والمترجم ينقل للغوي ما استجد من اصطلاحات، ويضع بين يديه ما استحدث من مرادفات فيعمل اللغوي على وضعها في قالب اللغة الأصيل.

ولعل هذا هو ما يبرر تواجدي بين حضراتكم اليوم لأتحدث عن دور التعريب في حماية الحضارة العربية…

ولنبدأ حديثنا بتناول مصطلح التعريب

التعريب:

قال الخليل بن أحمد(ت 175هـ) في مُقَدِّمَة ” كتاب العَيْن ” عند الحَدِيث عن وُجُود أَصْواتٍ في الجُذُور الرُّبَاعِيَّة والخُمَاسِيَّة وبِها يُسْتَدلُّ على عَرَبِيَّة الكَلِمَة وبِخُلُوِّها مِنْهَا على أََعْجَمِيَّتِها : ” فإنْ وَرَدَت عليك كَلِمَة رُبَاعيَّة، أو خُمَاسيَّة مُعَرَّاة من حروف الذَّلََق أو الشَّفَويَّة، ولا يكون في تلك الكَلِمَة من هذه الحُرُوف حَرْف واحد أو اثْنَان، أو فَوْقَ ذلك فاعْلَمْ أنَّ تِلْك الكَلِمَة مُحْدَثة مُبْتَدَعَة، ليْسَت مِنْ كَلام العَرَب؛ لأنك لَسْتَ واجِداً من يَسْمَعُ من كلام العَرَب كلمةً واحدةً رباعيَّة، أو خماسيَّة إلاَّ وفيها من حروف الذَّلَق والشَّفَويَّة واحِدَةً أو أَكْثَر.

ولسيبويه قوله “مِمَّا يُغَيِّرون” يَقْصِدُ بذلك العَرَبَ أنفُسَهُم أَصْحَاب العَرَبِيَّة، زيادة على أنَّ كلمة “يُغَيِّرون” تعني أنَّ الكَلِمَة الأعجَميَّة لا تُصْبِح مُعَرَّبَة(عَرَبِيَّة) إلاَّ بإجراء تَغْيير في حُروفها, إمَّا صوتياً وإمَّا بُنْيَويّاً (صَرْفيَّاً) و”..

إن ما يميز المفهوم أو اللفظ المعرب هو قبوله للصرف والوزن العربي أما الألفاظ الجامدة التي يتم استيرادها من اللغات الأخرى واقتصار الأمر على رسم نطقها بحروف عربية فهي ألفاظ دخيلة مقحمة على المحتوى اللغوي العربي.

يتساوى التَّعْريِب والإِعْراب في المَعْنَى الُّلغَويّ ويقصد بهما ” الإِبانة” والكلمتان مشتقتان من لفظي “عَرَّب وأَعْرَب” بمعنى أَبَان وأفْصَح، فالإِعْرَاب يفصح عن المَعَانِي بالحَرَكَاتِ التي تُفَرِّقُ بين الوَظَائِف النَّحْويَّة، وقد صار من المتفق عليه أن الإعراب هو توضيح معاني الألفاظ وتوضيح الفوارق بينها من خلال استخدام علامات الإعراب المختلفة ومن هنا وقياساً على ذلك فإن التعريب هو تخصص في توضيح دلالة الألفاظ ويتناول نقل اللفظ الأعجمي إلى اللغة العربية،

من رحم اللغة خرج مصطلح أكثر تخصصاً وأضيق مجالاً وهو مصطلح ” التعريب” وهو مصطلح ينسب للعرب ويشير إلى استعمال العرب لفظاً أعجميّاً بتغييره على طريقة لغتهم ، وهذا هو المفهوم الشائع لدى اللغويّين باختلافٍ في تعريفه ، فمنهم من عرّفه بأنه : ما استعملته العرب من الألفاظ الموضوعة لمعانٍ في غير لغتها فهو يعني النقل من اللغة الأجنبية إلى اللغة العربية فهو ترجمة من اللغة الأجنبية للغة العربية ، كما أن التعريب يعني في عدد من البلدان الاستخدام الشامل للغة العربية بدل اللغة الأجنبية.

إن هناك خلط شائع بين مصطلحي الترجمة والتعريب للتشابه العام بينهما ، وما القول في ذلك إلا أن التعريب هو نقل اللفظة الأجنبية بما تحمله من معنى ودلالة في لغته الأصلية إلى اللغة العربية مع القيام ببعض تغييرات صوتية وصرفية، أما الترجمة فهي نقل للمعاني والدلالات وتفسير لفظ لغة الأصل باستخدام ألفاظ اللغة الهدف. وعندما نتحدث عن النقل من وإلى العربية فإننا نتحدث عن الترجمة بوصفها عملية ذات اتجاهين… أما التعريف فهو نقل في اتجاه هو واحد من اللغة الأعجمية إلى العربية ولا يسلك الاتجاه العكسي.

ورغم من أن جوهر مشكلة الترجمة في عالمنا العربي يتمثل في قلة النتاج الترجمي من وإلى اللغة العربية مقارنة بنتاج أي لغة أخرى ، ولكن المشكلة تأخذ بعداً أكبر إذا وضعنا عنصر الفقر الإعلاني عن النصوص المترجمة من وإلى العربية فنكتشف أن المكتبة العربية تحفل بالعديد من درر التراجم والتي لا يعرف عنها القارئ العربي والغربي منها إلا النذر اليسير.

إن التباين بين الترجمة والتعريب يبرز في أن الترجمة لا تسعى إلى تعريب اللسان وتغيير منطوق ولفظ اللغة وإنما تهتم بنقل المعنى باستخدام ألفاظ اللغة المستهدفة، بينما يتمثل التعريب في نقل المفهوم والمصطلح الأجنبي وصياغته باللفظ العربي في حال توافره أو إيجاد لفظ جديد يعبر عن المفهوم أو المصطلح المعرب، ومن ذلك نستشف أن التعريب نسق خاص مستقل متفرد لا يمكن خلطه بالترجمة على عمومها فله مميزات وقواعد خاصة، أهمها ما يتعلق بأمور الاشتقاق والصياغة اللفظية والتطويع اللغوي والصرفي، والتعريب علم مستقل وضرب من ضروب فنون اللغة إلا أنه لم يحظ بما يستحقه من تأطير منهجي أكاديمي رغم أهميته والضرورات التي تدفع إلى التركيز عليه خاصة خلال هذه الفترة من تاريخ الحضارة العربية.

وإذا تحدثنا عن تاريخ ومسيرة حركة التعريب…

فلا يزال التاريخ يذكر مآثر أهل المغرب ودورهم البارز في ترسيخ وبناء قلاع التعريب التي حمت الحضارة العربية من فلول التغريب خاصة وأن أرض المغرب شهدت اختلاط أجناس وثقافات على أرضها ولولا الدور الذي لعبه البربر ونصرتهم للغة الضاد، والامتزاج بين عرب المغرب ومستعربيها تحت مظلة دين ناطق بلسان عربي…

ومن الإنصاف أن نذكر أن العصر الأموي كان أزهى عصور التعريب في تاريخ أمة العرب، فخلال عهدهم اتسعت مساحة الأرض التي سطعت عليها شمس الإسلام، فحملوا معهم علومهم وفنونهم وآدابهم وكل مكوناتهم الحضارية وتفاعلوا مع أهل البلدان التي فتحوها وأثروا فيهم وتأثروا بهم …..

لقد تجسد اهتمام الأمويين بترسيخ تواجد اللسان العربي في البلدان التي فتحوها ونشر لغة العرب لتصبح هي اللغة الأساسية السائدة فوق اللهجات المحلية المتفرقة في إنشائهم لدواوين التعريب التي انتشرت في عهد عبدالملك بن مروان، وعهدوا بأمر هذه الدواوين إلى الناطقين بالعربية بعد أن كانت تحت يد الأعاجم، واستطاعوا أن يثبتوا مقدرة العرب على استخدام أدواتهم ولغتهم في إدارة كافة جوانب شؤون حياتهم، وكان ذلك إيذاناً بظهور شخصية الحضارة العربية المستقلة التي خلعت عن جيدها طوق التبعية اللغوية والإدارية، وأضحى المعيار الأساسي الذي يقاس به علم المرء هو مدى إلمامه باللغة العربية وأصولها

وبعد عصر بني أمية جاءت مرحلة تأصيل اللغة العربية وجعلها لغة التعامل في كل البلدان التي فتحها العرب، وانتقلت مع لغة العرب حضارتهم وتقاليدهم لتوحد الحضارات التي تواجدت على تلك الأراضي، ولا يمكن القول إلا بأن الحضارة العربية كانت من القوة بحيث استطاعت أن تتفوق على الحضارات التي جاورتها بل واستوعبتها واحتوتها وقدمت بدائل لغوية وثقافية ومعرفية.

لقد استطاع العرب المسلمون الأوائل أن يحققوا أصعب معادلة في تاريخ الحضارات بأنهم لم يضعوا فاصلاً بين أمة الفاتحين وشعوب البلاد المفتوحة، وعبروا فجوة عميقة فوق جسر اللغة التي لم يتخذوها كصفة مميزة للحكم فقط بل جعلوا منها منهج الحياة واستطاعوا أن يؤكدوا جدارتها واستحقاقها للتطبيق والاستخدام في الحكم والإدارة والتعامل الحياتي.

بل وتخطت مرحلة الاستقلال وإثبات الذات تلك لتنتقل إلى مرحلة أخرى هي تصدير الحضارة العربية لغير العرب، واستطاع العرب بلغتهم أن يوقفوا المد الأعجمي سواء الفارسي أو الغربي، وقد أدى ذلك إلى ظهور جيل من المستعربين الذين وجدوا ضالتهم في تلك الحضارة المزدهرة، فأقبلوا عليها واقتبسوا منها، ولكي ندرك حجم النجاح الذي حققته الحضارة العربية فيكفي القول أن الحضارات التي اندحرت أمام المد العربي لم تجد أمامها طريقة كي تقاوم المد العربي إلا بتحويل صراع الحضارات في هذه الفترة إلى صراع ديني، لاعبين على وتر العصبية الدينية كسهم أخير بعد أن أعيتهم محاولات اللحاق بإنجازات الحضارة التي اتخذت لغة الضاد لساناً لها.

لذا فإن ما أنجزته حركة التعريب في بداياتها لا يقل أهمية ولا قدراً على ما حققته الفتوحات العسكرية بل ربما كان دور التعريب أعظم في تدعيم الوجود العربي وتأكيد استقلاليته …

إن التعريب –خاصة تعريب العلوم والأفكار- هو أداة يمكن من خلالها إحياء ثوابت هذه الأمة وترسيخها من خلال الإصرار على أن تكون اللغة العربية هي اللغة السائدة في مجالات الحياة والتعامل، ومن المحزن أن نجد الكثير من معاهدنا ومؤسساتنا التعليمية تعتمد استخدام لغات أجنبية في نظمها التعليمية، وهي ظاهرة لا نجدها عند أي أمة أو دولة أخرى.

و هناك من يرى أن التعريب أمر يبدأ ويصب في المحتوى التعليمي والمناهج والمقررات المطبقة في عالمنا العربي، ويقول بأن التعريب هو استخدام اللغة العربية في تدريس العلوم جميعها وفي الاستخدامات الحكومية كلها، كما أن هناك من يرى التعريب جسراً يقوم على أعمدة الترجمة ويسعى إلى سد الفجوة الناشئة عن التناول القومي للعلوم الأجنبية وأسسها وقواعدها.

إن أي عاقل منصف لا يمكنه أن يتغاضى عن الدور القومي للتعريب وما يرتبط به من محاور داعمة لتأصيل مفهوم الهوية العربية، إن التعريب –خاصة تعريب العلوم والأفكار- هو أداة يمكن من خلالها إحياء ثوابت هذه الأمة وترسيخها من خلال الإصرار على أن تكون اللغة العربية هي اللغة السائدة -ولا أقول اللغة الأولى- في مجالات الحياة والتعامل. إننا إذا نظرنا إلى اللغات السائدة في عالمنا المعاصر لوجدنا أن اللغة الإنجليزية تتصدرها بلا منازع ومرجع ذلك إلى خلفيات تاريخية واستعمارية وتعداد المتحدثين بها ومجالات استخداماتها

إن اللغة العربية تأتي في المرتبة الرابعة بين اللغات العالمية من حيث عدد الناطقين بها (بعد الصينية والإنجليزية والأسبانية) ولا شك أن هذا الترتيب تتضاعف قيمته إذا ما علمنا أن عدد اللغات الموجودة حالياً يتراوح بين ستة آلاف وسبعة آلاف لغة، كذلك فإن عدد الناطقين بالعربية يتجاوز أضعاف عدد الناطقين بأي من اللغات الأخرى كالألمانية والفرنسية والإيطالية والروسية، ورغم ذلك لا نجد للغة العربية نفس الحضور العالمي للغة الفرنسية والتي لا يزيد عدد الناطقين بها عن ثلث عدد الناطقين بالعربية أما عند مقارنتها بلغة كاللغة الإيطالية فإن النسبة تنخفض إلى الربع.

إن هذه الحقائق الموجزة تدفعنا إلى الإقرار بأن الزخم العددي للناطقين باللغة ليس هو العامل الأساسي في إنتشارها وسيادتها وإنما هناك عوامل أخرى ترتبط إرتباطاً وثيقاً بالفاعلية السياسية والاقتصادية على المستوى العالمي. إضافة إلى ذلك فإنه لا يمكننا أن نغض الطرف عن حقيقة ” الانتقاء” القائم على أسس جيوسياسية لما يتم ترجمته من أعمال عربية أو تعريبه من أعمال أجنبية، فهناك الكثير من الأنظمة السياسية التي لا تزال تحكم حركة النقل الترجمي من العربية وإليها بخطوط همايونية وزعمها في ذلك الحفاظ على المحتوى القومي للثقافة وهم في ذلك شأنهم شأن من يقف أمام حركة التعريب ويعارضها ينظرون من ثقب باب مفتوح وكأنما لم يلحظوا تلك الثورة العولمية التي أحالت العالم كله إلى قرية صغيرة، وقد قابل تلك السياسات “الانتقائية الاحترازية” سياسات أخرى “استهدافية موجهة” من الآخر، وقد ساعدناهم نحن العرب في أن يوفروا جهودهم التي كان التفاعل الحضاري سيفجرها عند التوغل في المحتوى الفكري الإجمالي لثقافاتهم، فباتوا يصدرون لنا ما يريدوننا أن نتفاعل معه وصارت لهم القيادة والسبق في تحريك التفاعل الثقافي وتوجيه دفته.

إن من أكثر مبررات وضع مثل هذه القيود هو اختلاف القناعات الدينية والثقافية بين العرب والكثير من الأمم الأخرى، وأن وضع هذه العراقيل يعمل على تنظيم التغلغل والحد من عملية الاختراق الثقافي لأفكار الآخر… ورغم نبل هذه الغاية إلا أن الواقع والمنطق يفرغها من كل مميزاتها، فالحماية لا يمكن أن تستمر في ظل النخر الداخلي ومهما زاد سمك الدرع فلا يمكن أن يشفي جسداً مريضاً معتلاً، بل الأحرى أن نعمد إلى تأصيل ثوابتنا وتأكيد هويتنا و ترسيخ المبادئ والأخلاق وبعدها سيصبح الفرد حكماً ومقيماً لما قد يراه في الآخر كلما استشرف نافذة الترجمة وأطل منها على ما لدى الآخر من أفكار وقناعات، فينتخب منها ما يتفق مع معتقداته وثقافته، و يعزف عن كل ما خالف تلك المعتقدات بل قد يعمد إلى نقده وتصحيحه وتصويبه، ومن هنا يمكننا أن نتجاوز عامل التأثير العددي والقياس الكمي للناطقين باللغة، ويصبح القياس ساعتها بحجم التأثير والتفاعل الثقافي على المستوى العالمي، ساعتها ستفرض اللغة العربية نفسها وتنتشر لتغطي المساحة التي تستحقها على خارطة اللغات العالمية، وستصبح لغة “تقييم” ثقافي، وفاعل مؤثر في تشكيل الحضارة الإنسانية.

إنه لأمر محزن بكل المقاييس أن نجد الكثير من معاهدنا ومؤسساتنا التعليمية تعتمد استخدام لغات أجنبية في نظمها التعليمية، وهي ظاهرة لا نجدها عند أي أمة أو دولة أخرى، وذلك باستثناء التجمعات متعددة اللغات والتي لا يتخطى فيها تعداد الناطقين باللغة بضعة آلاف ….

إن التعريب أداة قوية لابد لنا أن نستغلها لتأكيد هويتنا وفرض وجودنا، وبدلاً من أن نستورد العلوم والأفكار وندسها في عقول أبنائنا أحرى بنا أن نعربها ونصبغها بصبغتنا.. إن هناك خطر داهم ناتج عن التراخي في مسيرة التعريب وهذا الخطر يتمثل في هجرة العقول والكفاءات العربية إلى البلدان التي درست العلوم بلغاتها، وهذا خطر يمس الأمن القومي العربي على وجهين أولهما تجريف سهل الكفاءات البشرية العربية وخفض وتقليل العقول والكفاءات العالمة في وطننا العربي، وثانيهما ما ينتج عن استمرار تقوقعنا دون نقل عادل لجوهر هذه العلوم عبر من نثق فيهم من أبناء عروبتنا، والوجه الأخير اختلال ميزان التأثير الثقافي لصالح الآخر مما يضعنا في حالة خنوع وتبعية.

هناك من يقول بأن ” العلم لا يدرس إلا بلغته” لكن ذلك يدفعنا إلى قياس حجم العوائق التي يستوجبها دراسة العلوم بلغة غير اللغة العربية، وما قد ينجم عن ذلك من قصور في إدراك المحتوى المعرفي. كما أن هناك من يرى أنه لا سبيل إلى السير بشأن التعريب ليجاري الخطى المتسارعة التي تسير بها العلوم والتقنيات، ولكن هذا لم ينتج إلا عندما ثبتت خطى التعريب عند نقطة محددة ولم تتخطاها منذ عقود أما إذا أرخينا عقال التعريب وحررناه فإنه سيلحق بها بكل تأكيد إذا أضفنا متغير جديد هو تأهيل وتأصيل الكوادر والمؤسسات المنوط بها القيام بعملية التعريب.

ولنضف إلى ذلك أن الاهتمام باللغة العربية هو مطلب وفرض ديني فهي لغة يدين بدينها، وهذا يستوجب تضافر الجهود بين الدول الإسلامية لخلق عنصر يسهم في تدعيم وحدتها وزيادة ترابطها فالإسلام يأتي في المرتبة الثانية بعد المسيحية إذ تبلغ نسبة من يدينون بالإسلام 21% من إجمالي سكان العالم (1.1 مليار نسمة) بينما عدد من يعتنقون المسيحية يصل إلى 33% من إجمالي سكان العالم (1.9 مليار نسمة)، ولننظر إلى الأمر على هذا النحو لنستبين مدى قيمة اللغة العربية والدور الذي يمكن للتعريب أن يلعبه فإن 21% من سكان العالم يجمعهم دين واحد بلغة واحدة …. بينما 33% من سكان العالم يدينون بديانة واحدة وموزعة على ما لا يقل عن ثلاثين لغة. إذا فإنه يمكن الاستعانة بالقوة العددية والضرورة الدينية لنشر ثقافة التعريب والعمل على تفعيل دوره.

ويمكن للغة العربية أن تفرض ذاتها من خلال تطبيق سياسات التعريب على المستوى الإعلامي وهذا بالتالي سيحفظ المحتوى اللغوي القومي من شوائب وهوام الألفاظ الدخيلة التي بتنا نتلقفها ونضيفها إلى وعائنا اللفظي دون مسوغ أو ضابط . إننا أمام ما نراه ونشهده من محاولات “التغريب” المستمرة والتي صارت تضرب كافة أوجه حياتنا لابد لنا من أن نحتمي بقلاع “التعريب”

إن هناك خطر داهم ناتج عن التراخي في مسيرة التعريب وهذا الخطر يتمثل في هجرة العقول والكفاءات العربية إلى البلدان التي درست العلوم بلغاتها، وهذا خطر يمس الأمن القومي العربي على وجهين أولهما: تجريف سهل الكفاءات البشرية العربية وخفض وتقليل العقول والكفاءات العالمة في وطننا العربي، وثانيهما: ما ينتج عن استمرار تقوقعنا دون نقل عادل لجوهر هذه العلوم عبر من نثق فيهم من أبناء عروبتنا، وهذا ما يؤدي إلى اختلال ميزان التأثير الثقافي لصالح الآخر مما يضعنا في حالة خنوع وتبعية.

أشكر لحضراتكم كريم استضافتكم وحسن استماعكم … وأرجو أن لا أكون قد أثقلت عليكم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته