إبدالات النقد المغربي الحديث

يمكن – في البداية – تحديد فكرة هذا المقال وفرضياته ومنطلقاته العامة. وسنلتمس هذه المعطيات في العنوان نفسه الذي اخترناه لهذا المقال: – يشتغل البحث على النقد المغربي الحديث، في بنياته، وامتداداته، ومرجعياته. وهو، إذ يركز على التمفصلات الأساسية لهذا النقد، لا ينشغل بقضايا أخرى ذات طابع تفصيلي (مثل الجوانب المفاهيمية والاصطلاحية والأجناسية).

ينطلق البحث من تصنيف محدد للمادة النقدية، مستأنساً في ذلك بمفهوم »البؤرة المعرفية« الذي وضعه ميشيل فوكو (M. Foucault) والذي يقصد به البنية الفكرية التحتية المؤسسة للمعارف في حقبة معينة، والمتحكمة في تصوراتها ومناهج البحث فيها؛ وهي تمثل الشروط القبلية التي تنظم المعارف والمفاهيم وطرق التفكير في عصر من العصور([1]). وقد تم التعبير عن المفهوم المشار إليه هنا بمصطلح »النسق«. لذلك يفترض البحث أن النقد المغربي الحديث كان له امتداد في ثلاثة أنساق كبرى: نسق الإحياء، والنسق الإيديولوجي، ونسق التجريب.

– الحديث عن النسق من داخل الإطار المنهجي المشار إليه أعلاه يستدعي إثارة أهم الجوانب المتصلة بالإطار السياسي والفكري والثقافي، وذلك قصد تحديد ملامح »روح العصر« أو »الرؤية للعالم« التي سادت لدى النخبة من النقاد والأدباء في كل فترة على حدة. وإذا كانت فكرة البحث غير قائمة أساساً على التأريخ للنقد المغربي الحديث، فإن المهم هو تحديد الإطار السوسيوثقافي الذي انصاغت ضمنه الرؤية للعالم التي يقوم عليها كل خطاب من الخطابات الثلاثة المشار إليها سابقاً.

هناك اختلاف بين الباحثين في تحديد بداية النقد المغربي الحديث. ويمكن الإشارة – على العموم – إلى ثلاثة آراء:

أ . يبحث الرأي الأول عن جذور لهذا النقد تعود إلى بدايات القرن العشرين. وهذا ما قام به الدكتور محمد خرماش في رسالته الجامعية تحت عنوان: “النقد الأدبي الحديث في المغرب (1900-1956)” ([2])، وكذا محمد عفيفي في كتابه “النقد الأدبي الحديث في المغرب العربي”([3]).

ب. الرأي الثاني يرى أن »الخطاب النقدي بالمغرب عرف بدايته الحقيقية في مرحلة الحماية«([4]). وقريباً من هذا الرأي يضع أحدهم إطاراً لـ»حركة النقد المغربي […] بين 1934 و1952«([5]).

ج. هذا في حين يرجع آخرون بداية النقد المغربي الحديث إلى »العقد السبعيني« ([6]).

عند تدقيق النظر في هذه الآراء، سنجد أن منشأ الاختلاف يعود – بالدرجة الأولى – إلى الخصائص النوعية للنص النقدي الذي نريد تحديد بداياته: هل نريد تحديد النقد من خلال أشكاله التكونية الأولى التي ظهرت في شكل خواطر نقدية وتحليات وتقريظات؟ أو نعتبر الجانب الوظيفي في النقد، في علاقته بالخطاب السياسي؟ أو نكتفي بالنقد المنهجي الذي يتسم بنوع من الانتظام في مرجعياته وبنياته؟ وأعتقد أن النقد المغربي الحديث، قد خضع – بشكل أو بآخر – لهذا التحقيب الثلاثي البسيط:

1. فقد هيمنت في فترة الاستعمار وغداة الاستقلال إيديولوجية المثقف الوطني، وكانت انشغالات هذا المثقف تتمحور أساساً حول البحث عن الأصول والخصوصيات الحضارية. وكان هذا الخطاب جواباً عن الاستفزازات الاستعمارية التي كانت تهدف إلى تذويب الشخصية الوطنية وطمس ملامحها. لذلك فهو يتحرك بموجب ميكانيزمات الدفاع عن الهوية، والتدليل على عناصر القوة في الشخصية الوطنية والقومية. لذلك ندرج الخطاب النقدي الذي كتب في هذه الفترة ضمن »خطاب الإحياء«.

لقد كان هم هذا الجيل من النقاد العمل على وضع قاعدة لإحياء وانطلاق النقد المغربي، من خلال البحث عن حركية جديدة تعيد التواصل بين الناقد وماضيه من جهة، وبين حاضره من جهة أخرى. من البديهي أن قاعدة الانطلاق لا تبنى على فراغ، ولا تتم من خلال الانتظام في تراث الآخرين، بل تتم من خلال الانتظام في التراث الخاص. وقد أشار الدكتور محمد عابد الجابري إلى هذه الظاهرة، في سياق تحديد »ميكانيزمات« النهضة بقوله:

يمكن للمرء أن يلاحظ بسهولة أن جميع النهضات التي نعرف تفاصيل عنها قد عبرت إيديولوجياً عن بداية انطلاقها بالدعوة إلى الانتظام في تراث، وبالضبط بالعودة إلى الأصول، ولكن ليس بوصفها كانت أساس نهضة مضت يجب بعثها كما كانت، بل من أجل الارتكاز عليها في نقد الحاضر ونقد الماضي القريب، الملتصق به، المنتج له، المسؤول، عنه والقفز على المستقبل([7])

لذلك فإن خطاب الإحياء يتوافق مع خطاب التأريخ، في اعتماده على الماضي لوصله بالحاضر ضمنياً أو صراحة. لكن مع هذا النقد القائم أساساً على نوع من الربط بين النص والتاريخ بطريقة تحليلية، يمكن الحديث عن خطاب آخر يقوم على التذوق الفطري والانفعال الشعوري البعيد عن المعيارية. يتعلق الأمر هنا بالنقد الانطباعي.

من هنا يمكن القول: إن مرحلة التأسيس للنقد المغربي الحديث كان لها امتداد في اتجاهين أساسيَّين، هما اتجاه انطباعي واتجاه تاريخي.

وإذا كانت النصوص النقدية المدرجة ضمن هذا الخطاب تعود نماذجها الأولى إلى سنوات الأربعين، فإن »رؤية العالم«([8]) التي تبلورت ضمنها هذه النصوص قد تشكلت من خلال معطيات تاريخية وسياسية وثقافية سابقة لهذا التاريخ. يمكن من الناحية الإجرائية والمنهجية تحديد إطار تاريخي لها يمتد من العقد الثاني إلى العقد السادس من القرن العشرين.

وإذا كان من المعلوم بداهة أن التاريخ لا يعرف القطائع والفواصل، فإن الفترة المشار إليها يمكن أن تشكل حقبة ذات نسق واحد، على اعتبار أنها تحيل إلى منعطف أساسيّ في تاريخ المغرب الحديث، يتمثل في »الاستعمار«، والتداعيات السياسية والتاريخية المختلفة التي تمخضت عنه:

أ. على المستوى السياسي: كانت هذه الفترة غنية بالأحداث، ابتداء من توقيع معاهدة الحماية في مارس 1912، مروراً بمختلف أشكال المقاومة الشعبية التي ظهرت – مباشرة بعد ذلك – في مختلف أنحاء المغرب، من خلال الالتفاف حول بعض الزعامات([9]).

وإذا كان المستعمر قد تمكن – نسبياً – من بسط نفوذه على المغرب، فإن صدور الظهير البربري في ماي 1930 سيفجر الأوضاع من جديد؛ ذلك بأن أبعاد هذا الظهير كانت واضحة الخطورة على المغرب »في أبعاده الجغرافية والتاريخية والبشرية والدينية«([10]).

توجت هذه الأحداث بظهور »كتلة العمل الوطني« التي قامت بإحياء الشعور الوطني والقومي الديني، فقادت مظاهرات في جل المدن المغربية لمواجهة الظهير البربري، وبلورت عملها النضالي سنة 1934 في برنامج إصلاحي أطلقت عليه »مطالب الشعب المغربي«، ثم برنامج حد أدنى أطلقت عليه »المطالب المستعجلة«([11]).

سيتبلور العمل السياسي الوطني – بعد ذلك – من خلال وثيقة المطالبة بالاستقلال التي قدمت إلى السلطات الاستعمارية في 11 يناير 1944([12])، وما صاحب ذلك من مختلف أشكال العمل الاحتجاجي والفدائي الشعبي والتي ستصل ذروتها في غشت 1953، على أثر نفي ملك البلاد.

توجت هذه الأحداث بعودة الملك محمد الخامس إلى أرض الوطن، واعتراف الحكومة الفرنسية باستقلال المغرب في مارس 1956، ليبدأ المغرب بعد ذلك فصلاً جديداً من تاريخه الحديث. وستنخرط النخبة السياسية في بناء المؤسسات وتحديثها وتنظيم الوعي الوطني وتأطيره ضمن قوالب العمل السياسي وأشكاله التي أفرزها الفكر السياسي الحديث، مثل التنظيم الحزبي، والعمل النقابي، والتنظيم الطلابي، والجمعيات الثقافية وما إلى ذلك من صور المجتمع المدني وعلاماته([13]).

ب. على المستوى الفكري كانت »السلفية« هي الإطار المرجعي للرؤى والأفكار والتصورات، خاصة أن الوجود السلفي عميق الجذور في تاريخ المغرب، يعود إلى القرن الثامن عشر([14]). وسيتأكد هذا الحضور في بداية القرن العشرين من خلال إسهامات عدد من شيوخ السلفية في المغرب، مثل أبي شعيب الدكالي الذي تصدر للتدريس ونشر الدعوة السلفية في المراكز الحضرية بعد عودته من المشرق([15]). كما نشير إلى جهود – شيخ الإسلام – محمد بن العربي العلوي، خاصة ما يتعلق بإذكاء روح الحماس لدى قادة الحركة الوطنية([16]).

لقد ظهرت السلفية يومذاك باعتبارها حركة تتجاوز الإطار العقدي الضيق الذي لازمها في البداية، لتتحول إلى حركة اجتماعية سياسية هادفة إلى الإصلاح الديني، واضعة في اعتبارها المتغيرات الحاصلة في بداية القرن، ومتطلبات الحاضر. لذلك يقول عنها علال الفاسي:

ومهما يكن مقدار التطور الذي حصل في نظرتنا للأشياء، ومهما يكن مقدار النجاح الذي سنحصل عليه في تطبيق برامجنا بعد الاستقلال، فالذي لا شك فيه هو أن السلفية عملت عملها على تسيير آلاتنا النفسية وتوجيه تفكيرنا نحو هذا التجدد المنشود في جميع مظاهر حياتنا، ونحو هذا التحرر الذي ظل طابع حركتنا، وصوب هذه الوحدة العربية التي لم تزل مطمح آمالنا، ونحو الروح الديمقراطية التي تسيطر علينا ([17]).

سيتجذر الحضور السلفي في المغرب خاصة حين بدأ المستعمر يتحرش بالهوية الوطنية، من خلال الإعلان عن »الظهير البربري« الذي استهدف عروبة المغرب ووحدته الوطنية. فكان رد الفعل الوطني هو التمسك بهذه المقومات الثلاثة، والدفاع عنها بوصفها مقومات لا يمكن الفصل بينها([18]).

وهذا ما أدى إلى انصهار »الوطنية« في »السلفية«. لقد وجد الوطنيون أنفسهم ضمن حركة سلفية ووطنية في الوقت نفسه: »هي سلفية، لأنها تريد إقرار الشرع الإسلامي وتثبيت دعائمه في البلاد؛ وهي وطنية، لأنها تقاوم السيطرة الأجنبية وكل برامجها للامتلاك الأبدي لبلادنا«([19]).

وفي الوقت الذي كان فيه الوطنيون يخوضون مختلف أشكال المقاومة المسلحة، عملوا أيضاً على إفشال سياسة المستعمر الهادفة إلى مسخ الهوية الثقافية الوطنية. لهذا كان لا يخالط مدارس المستعمر في الغالب إلا أبناء الأثرياء والمنخرطون في إدارة الحماية([20]). كما صدرت فتاوى تدعو إلى مقاطعة التعليم الاستعماري. مثال ذلك ما صدر ضمن كتاب “إرشاد الحيارى في منع أبناء المسلمين من الدخول إلى مدارس النصارى”([21]).

ج. على المستوى التعليمي كانت السياسة التعليمية للمستعمر تهدف إلى إحكام سيطرتها على المغرب. وقد حاولت تحقيق هذا الهدف من خلال استراتيجية قائمة على مجموعة من الإجراءات، منها:

– التنويع في أنماط التعليم بين التقليدي والعصري، وبين التكوين الصناعي في المدن والتكوين الفلاحي في البوادي.

– تطبق مقتضيات الظهير البربري، من خلال تشجيع التعليم البربري.

– الإبقاء على النخبة الأرستقراطية عن طريق تخصيص تعليم لأبناء الأعيان.

ونتيجة لهذه السياسة، كان التعليم في المغرب ذا طابعين متميزين:

¯ تعليم استعماري طبقي؛

¯ تعليم غير متجانس([22]).

وقد تمثل رد فعل الحركة الوطنية في إقامة »مدارس حرة« ([23])، اتخذت صبغة عصرية، لكنها متحررة من هيمنة الإدارة الفرنسية.

أما في فترة الاستقلال، فقد حددت »اللجنة الملكية لإصلاح التعليم« سنة 1957 المبادئ التالية للتخلص من الإرث الاستعماري:

– التعريب، في مقابل التعليم الاستعماري الذي كان مفرنساً؛

– التعميم، في مقابل التعليم الاستعماري الذي كان نخبوياً؛

– التوحيد، في مقابل التعليم الاستعماري الذي كان غير متجانس؛

– المغربة، للحد من كثرة الأطر الفرنسية في الإدارة([24]).

وفي سياق هذا الإصلاح التعليمي، ستنطلق »الجامعة المغربية« أيضاً في يناير 1958. وقد كان لها دور كبير في تفعيل المشهد العلمي والثقافي بشكل عام؛ إذ في رحابها تخرجت أجيال من الأكاديميين الذين أسسوا لبنات البحث العلمي في المغرب. وإذا كان من الصعب تغطية مختلف جوانب البحث العلمي الجامعي، فإنه يمكن – مع ذلك – حصر الحديث هنا في مجال البحث الأدبي. الملاحظة العامة التي يمكن تسجيلها حول هذه المرحلة تتمثل في هيمنة الاهتمامات المرتبطة بجمع التراث وتحقيقه. في هذا السياق، تندرج الرسائل الجامعية للباحثين الرواد أمثال: محمد حجي (1963)، وعبد الهادي التازي (1963)، ومحمد بن شريفة (1964)، والحسن السائح (1965).

وعلى الرغم من كون أغلب هذه الأبحاث قد اشتغل على التراث، فإن بعضها قد اشتغل على الأدب الحديث، مثل أحمد اليبوري (1967).

وقد تعززت هذه المكتسبات بإدراج مادة الأدب المغربي ضمن مقررات الأسلاك الجامعية، بل سيتم بعد ذلك إقرار هذه المادة تخصّصاً في الدراسات العليا.

د. على المستوى الثقافي، كانت تبعية المغرب للمشرق – إلى حدود سنوات الستين – شبه مطلقة؛ ذلك بأن الانبهار بكل ما هو قادم من المشرق لم يترك مجالاً لمصادر أخرى للاستلهام الثقافي. يقول محمد بن العباس القباج:

وهذه صحف الشرق ومجلات مصر على الأخص تعنى بالنقد عناية فائقة وتطلع علينا بمقالات مليئة بنقد شعراء تلك الجهة، ولا تكاد تخرج المطابع ديواناً حتى يسرع إليه الكتاب، وتتلقفه الأقلام فتشبعه نقداً وتحليلاً. أفلا يكون لنا بعض اقتداء بهم ومسايرة لخطتهم([25])

وإذا كان المثقف المغربي قد عمل في فترة لاحقة على تنويع مصادره الثقافية، من خلال التواصل المباشر مع الغرب، فإن النزوع العربي القومي ظلَّ ثابتاً في وجدانه. لذلك فإن أغلبهم يقول – على حد تعبير بول شاول -: »ما ينفع المغربي إذا ربح أوربا والعالم كله… وخسر جذوره المشرقية«([26]).

وكان للإعلام المشرقي دور مهم في ترسيخ هذه العلاقة، وذلك من خلال الجرائد والمجلات التي كانت تصل إلى المغرب، مثل “الهلال”، و”الرسالة”، و”المنار”، و”المقتطف”، إلخ.

وبالموازاة مع ذلك، ستظهر فيما بعد بعض الصحف الوطنية، وفي طليعتها “السعادة”، مجلة “المغرب”، 1932، جريدة “العلم”، 1945، “رسالة المغرب”، 1947. كما ظهرت بعض المجلات الأدبية المختصة مثل “رسالة الأديب”، 1958، مجلة “القصة والمسرح”، 1960، “آفاق”، 1963، “أقلام”، 1964. كما تطور الأداء الصحفي الأدبي من خلال إصدار الملاحق الثقافية لبعض الجرائد الوطنية: “العلم الثقافي”، 1958، “المحرر الثقافي”، 1974.

لقد خلقت ظروف الاستعمار وبداية الاستقلال منظوراً تطغى عليه الحماسة الداعية إلى خصوصية أصيلة، يعكسها ذلك الإقبال الكبير على الثقافة النقدية العربية الأصيلة، سواء في أنماطها التي تعتمد التحقيبات السياسية والتحليلات البيئية والخصوصيات البيوغرافية، أو في أشكالها القائمة على الأحكام الذوقية الانطباعية.

في هذا السياق العام، نشأ خطاب الإحياء الذي كان محكوماً بهاجس الامتثالية والمحافظة. فالماضي هنا هو مصدر القيم والمعايير النقدية، وهو بالتالي يحدد هوية الناقد في الحاضر. الناقد المحافظ هو الناقد الذي يخضع لنماذج نقدية سابقة. لقد كان خطاب الإحياء في النقد المغربي الحديث محكوماً بهواجس وانشغالات المثقف في أواخر سنوات الستين وبداية السبعين، ذلك المثقف الذي كان مشدوداً إلى قيم الوطنية والقومية والأصالة والخصوصية. لقد كانت الممارسة النقدية محكومة بهاجس الامتثالية والمسايرة، الناقد الممتثل هنا هو الناقد الذي يخضع بهذا الشكل أو ذاك لنموذج سابق، ويكون مستعداً للمحافظة عليه، وتكييف ممارسته النقدية وفقاً لمتطلباته، باسم الوفاء للأصول. وإذا كان الناقد الذي يندرج ضمن خطاب التأسيس ناقداً ممتثلاً، فإنه ناقد الماضي أيضاً. ويفترض الامتثال بهذا المعنى وجود سلطة الصواب والخطإ، وهي سلطة ترسم للناقد الطريق الذي ينبغي أن يسلكه.

على هذا الأساس، نشأت وثوقية الممارسة النقدية التاريخية، المفعمة بالتقرير والإطلاق، ذلك:

أن الناقد التاريخي لا يطرح في الغالب أي سؤال عن مصداقية رؤيته الخاصة، سواء بخصوص الواقع الذي يفسر به النصوص أم بخصوص هذه النصوص نفسها. وعليه، يفترض دائماً أن على القراء التسليم بمصداقية الناقد وأنه من حيث المبدأ قادر على بلوغ الحقيقة. وإذا لم يحالفه الحظ في بلوغها، فإنما يرجع ذلك لعارض طارئ يمكن التغلب عليه في محاولة أخرى، أو على يد ناقد آخر يستفيد من أخطاء سابقيه([27]).

فالماضي هو مصدر القيم والمعايير النقدية، وهو بالتالي يحدد هوية النقد في الحاضر. لذلك فإن فكرة »الهوية« هنا تأخذ جذورها في امتداد الماضي في الحاضر، بل اعتبار الماضي مجموعة من النماذج المشرقة التي تشكل الإرث الثقافي والأدبي. من هنا تتحدد قيمة الناقد من خلال مدى تحكمه في تلك النماذج، انطلاقاً من مبدإ »لا يمكنه إبداع أحسن مما كان«. وهذا ما يفسر هيمنة تلك التصور الثنائي للأدب([28])، الذي يقوم على مفاهيم من قبيل »التقليد والتجديد«، »القديم والحديث«، »الأصيل والدخيل«، إلخ.

لكن، الملاحظ عموماً أن الموافق المقدمة في هذا الشأن كانت تنحو منحى تأكيد مشروعية »الأصيل«، وكانت القيمة الاعتبارية للخطاب غالباً ما تتحدد بمقدار علاقة النص اللاحق بالسابق، أي بما يسميه الدكتور محمد مفتاح »النموذج الأصلي”([29]).

فعل التأصيل هذا له جذور في ثقافتنا العربية القديمة والحديثة. فمرحلة التدوين في القرن الثاني الهجري تشكل مرحلة وضع النماذج والأصول في كافة الحقول المعرفية المختلفة([30]). بعد ذلك، خلال اللحظة الإحيائية في سنوات العشرين من هذا القرن، وقع ما يعرف أحياناً بعصر »التدوين الثاني«، من خلال العمل على إعادة صياغة النسق القيمي والثقافي الأول في ظل الشروط الجديدة والمختلفة. وقد تميزت بنزوع واضح نحو الاستقراء الأولي للظواهر والأعلام والنصوص الأدبية.

وإذا نظرنا إلى المسألة من زاوية التفاوت التاريخي الذي يميز الأصل عن الفرع، سيكون من الطبيعي أن يعرف المغرب هذه الظاهرة في سنوات الخمسين والستين، حيث ستنخرط النخبة في عملية بناء الذات من خلال تقديم نموذج يحاكي الأصل.

ويمكن – بصفة إجمالية – تحديد أهم خصائص هذا الخطاب في الخلاصات التالية:

– على مستوى المنهج، يصدر نقاد خطاب الإحياء عن خلفية انطباعية أحياناً، وتاريخية أحياناً أخرى. لكن هذه الخلفية غير مؤسسة على وعي كامل بالأبعاد النظرية والإجرائية لهذين المنهجين. لذلك لا يضع الناقد هنا على عاتقه مهمة التأصيل المنهجي للأدوات التي يشتغل عليها؛ إذ ليس للممارسة النقدية من سند مرجعي، غير سيولة الخطاب المتضمن لمجموعة من المقولات، دون أي تحديد للمصطلحات والمفاهيم؛

– تنفتح الممارسة النقدية على حقول معرفية مختلفة، مع هيمنة واضحة لحوادث التاريخ السياسي والاجتماعي. تقدم المعطيات من هذا النوع خاصة في المداخل والمقدمات التي يمهد بها لفصول وأبواب الكتب والدراسات؛

– تنصب الممارسة النقدية على مضامين ودلالات النصوص الأدبية، مما يفسر هيمنة النزعة الوثوقية المفعمة بكل أشكال الإطلاق واليقين، وكذا أحكام القيمة القائمة على سلطة الخطإ والصواب. في مقابل ذلك، يهمل نقاد هذه المرحلة خصوصيات البناء الفني والجمالي للنصوص الأدبية المدروسة؛ وذلك بسبب تواضع الثقافة التقنية التحليلية، مع الإشارة إلى أن بعضهم حاول سد النقص الحاصل في هذا المجال من خلال استثمار معطيات الدرس البلاغي القديم؛

– لم يكن نقاد هذه المرحلة ينطلقون من تصور أجناسي واضح للأنواع الأدبية. لذلك، فإن مصطلح »القصة« مثلاً كان يستوعب في كتاباتهم مختلف الأشكال الأدبية، سواء الحديثة (القصة، القصة القصيرة، الأقصوصة، الرواية…) أو الكلاسية (المقامة، المناظرة…)، دون أن يأخذوا بعين الاعتبار الفروق النوعية بين هذه الأشكال؛

– لقد شكلت الثقافة النقدية المشرقية مصدراً منهجياً أساسياً في الممارسة النقدية للناقد المغربي في فترة الإحياء. وحتى في الحالات التي كان فيها هذا الناقد ينفتح على المصادر الغربية، فإن الحضور المشرقي كان مؤكداً من خلال عملية »الوساطة« في تقريب المادة النقدية الغربية، إما عبر الترجمة، وإما عبر استرفاد مباشر لبعض الأدوات والتقنيات التحليلية.

لا يعني هذا أن كل ذلك الركام من الدراسات الانطباعية والتاريخية التي أنجزت في النقد المغربي الحديث مع إطار خطاب الإحياء لم تكن ذات جدوى، بل على العكس من ذلك كانت مرحلة ضرورية في صيرورة هذا النقد. لقد تشكل هذا الخطاب في إطار مرحلة بناء الذات. وهذا ما يفسر هنا طبيعة النزعة الشمولية التي طغت على الممارسة النقدية التي كانت تحتضن مختلف أبعاد النص التاريخية والاجتماعية والنفسية واللغوية.

وسنجد أن الممارسات النقدية التي هيمنت بعد المنهج التاريخي تندرج في إطار ما يسمى بالمقاربة الاجتماعية للأدب، وهي مقاربة تُعْنَى بالنص الأدبي في علاقته بالشروط الاقتصادية والاجتماعية التي أنتجته، وتستند في أساسها الفلسفي إلى الفكر الماركسي والأبحاث السوسيولوجية التي ازدهرت في مطلع هذا القرن.

2. ستهيمن على الفكر المغربي في العقد السابع والثامن من القرن العشرين الاتجاهات العقائدية والإيديولوجية الكبرى، المتمثلة – على الخصوص – في الماركسية والوجودية، بكل ما تحمله من قيم الثورة والتمرد والصراع. وكان نموذج المثقف المهيمن هو »المثقف العضوي«. من هنا تسمية الخطاب النقدي لهذه الفترة بـ»الخطاب الإيديولوجي«، وهو خطاب تطغى عليه الحماسة الإيديولوجية، القائمة على المقايسة الصورية والنسخ المباشر، مع تغليب آليات القراءة الإيديولوجية الإسقاطية.

إذا كان الخطاب الإيديولوجي قد هيمن على النقد المغربي ابتداء من العقد السابع من القرن العشرين، فإن ظروف التقبل التي تحكمت في انتقال الخطاب من سياقه الأصلي تعود إلى السنوات الأولى من الاستقلال. يمكن القول إن المزاج الثقافي الذي أفرز الخطاب الإيديولوجي هو مزاج الأزمة. لكن تبقى الإشارة إلى أن التركيز على طابع الأزمة لا يعني هنا ربط البنية الثقافية بالبنية الاقتصادية والاجتماعية، على نحو ما هو سائد في بعض الاتجاهات الفكرية؛ ذلك بأن »استنفاد جهودنا في تبرير وجود الإقطاعية والبورجوازية حسب المقاييس الماركسية المركزية، معناه تحديد وضعيتنا بالنسبة إلى ما كانت عليه أوربا، وليس نسبة إلى ما نحن عليه الآن«([31]).

ودون السقوط في المقاربات التبسيطية في تناول علاقة النشاط الثقافي بالواقع، يمكن الإشارة – بإيجاز – إلى الشروط ذات المستويات المتعددة التي مارست تأثيراً – مباشراً أو غير مباشر – في انبثاق هذا الخطاب في النقد المغربي الحديث:

أ. فعلى المستوى الاقتصادي طبع التغلغل الاستعماري الحياة الاقتصادية المغربية بميسمه الخاص، وتوطدت دعائم الاقتصاد الرأسمالي([32]). وقد تحدث أحد الدارسين عن الارتفاع المهول للرساميل الفرنسية في المغرب، مما جعله مجرد »إقليم للإمبريالية الفرنسية التي كانت تحيطه بكامل الرعاية«([33][33]).

كما أن نسبة الرساميل الأجنبية الأخرى، التي كانت ضعيفة إلى حدود 1951، »عرفت ارتفاعاً، بسبب نمو الواردات دون عملة صعبة، وكذا التدخل المتصاعد للولايات المتحدة الأمريكية في شؤون المغرب«([34]).

أما السياسة الاقتصادية للمغرب، فقد تميزت بعد الاستقلال بالتردد في الاختيار([35]). وقد حاول عبد الله إبراهيم – في الحكومة الرابعة التي ترأسها عام 1958 – إحداث تغيير في البنية الاقتصادية، تجسدت في المخطط الثنائي (1958-1959)، الذي كان يهدف إلى تحقيق إصلاح زراعي من خلال إعادة توزيع الأراضي في البادية، والعمل على تطوير الصناعة المغربية. إلا أن السقوط المبكر لهذه الحكومة في ماي 1960 حال دون تطبيق البرنامج المذكور. أما المخططات الثلاثية والخماسية التي تعاقبت على المغرب بعد ذلك، فقد وضعت في غالبيتها تحت الإشراف المباشر لـ»لجنة البنك العالمي للإنماء والتعمير« التي زارت المغرب لدراسة معطيات الأزمة المالية سنة 1964([36]). لذلك فقد التمست هذه المخططات أهدافها ومضامينها في الواقع القائم، واقع النموذج الاستعماري الذي غرسته دولة الحماية في المغرب، ولم تعمل دولة الاستقلال إلا على »مغربته« والدفع به في الاتجاه الذي يستجيب لطموحات الفئات الاجتماعية المهيمنة اقتصادياً وسياسياً، أي التي جمعت بصورة من الصور، وبتأثير هذا العامل أو ذاك بين »الجاه والثروة«، كل منهما في خدمة الآخر([37]).

ب. لقد كان لهذه الظروف الاقتصادية تأثير مباشر في البنية الاجتماعية، إذ تشير بعض الدراسات إلى ظهور بوادر الأزمة الاجتماعية منذ سنة 1960، واحتدادها مع بداية سنة 1965، وهي أزمة ذات أبعاد مختلفة: البطالة، مشاكل الهجرة، الصحة، السكن والتغذية، التعليم، إلخ، وخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار كون القطاعات الاقتصادية التقليدية (التي تشمل الزراعة والصناعات التقليدية والتجارة…) لم تكن تساهم إلا بثلث الإنتاج الإجمالي للبلاد، مع أنه يشغل 80 % من اليد العاملة([38]). وقد نجمت عن هذا الوضع ردود فعل كثيرة تمثلت في مختلف أشكال الاحتجاج الاجتماعي، منها الاضطرابات التي اندلعت في عدة مدن مغربية خلال شهر مارس 1956، وكذا الإضرابات العمالية المتوالية والاحتجاجات الطلابية في الجامعات والمعاهد العليا والثانويات، بالإضافة إلى المحاولتين العسكريتين اللتين استهدفتا قلب نظام الحكم.

ج. على المستوى السياسي، كان للحركات اليسارية حضور قوي في هذا السياق العام. ويمكن الإشارة هنا إلى سنة 1959 باعتبارها السنة التي شهدت أول ظهور رسمي ومنظم لهذه الحركة، من خلال تأسيس حزب »الاتحاد الوطني للقوات الشعبية«، بعد صراعات قوية داخل حزب الاستقلال الذي كان يمثل يومذاك الهيئة الوطنية الرئيسة في البلاد([39]). وقد قاد هذا الانفصال كلٌّ من المهدي بن بركة وعبد الله إبراهيم، اللذين قاما بمجهود كبير في تأطير وتوجيه هذه الحركة اليسارية الناشئة:

الأول، من خلال كتاباته التنظيرية، خاصة كتاب “الاختيار الثوري” الصادر سنة 1962، والذي جعل منه المؤتمر الثاني للحزب 1962 الوثيقة الرئيسة في تحديد هويته الإيديولوجية.

والثانية، من خلال رئاسته لأول حكومة بعد الاستقلال 17 دجنبر 1958، حيث قدم برنامجاً يهدف إلى إحداث تغيير في البنيات الاقتصادية والاجتماعية لصالح الأغلبية من الجماهير الشعبية.

وفي سنة 1975، سيعرف »الاتحاد الوطني للقوات الشعبية« تصدعاً داخلياً أدى إلى ظهور حزب »الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية«، وسينتخب عبد الرحيم بوعبيد كاتباً أولَ له، فيما بقي “الاتحاد الوطني للقوات الشعبية« قائماً بزعامة كاتبه الأول عبد الله إبراهيم.

وقد أعلن الحزب الجديد يومذاك – من خلال تقريره الإيديولوجي – عن تبنيه للاشتراكية العلمية »منهجية لتحليل المجتمع وتناقضاته وتغيراته لا كفلسفة ومحاولة لتفسير الكون ولا كمجموعة من النصوص التي تسرد حسب الظروف وتفسر كأنها نصوص من الفقه والقانون«([40]).

وعلى مستوى »الرؤية الثقافية« للحزب، يعلن التقرير أن الهدف هو »خلق ثقافة وطنية تقدمية وشعبية«، وذلك من خلال العمل على بعث »الجوانب المشرقة في تراثنا الأصيل المتعددة منازعه، المتنوعة أشكاله«([41]).

وإذا كان منظرو الحزب يعتقدون أن »الاشتراكية العلمية« هي أصلح منهج لإصلاح المجتمع والتحكم فيه، فإنهم يقرون مع ذلك بخصوصية المجتمع المغربي. يقول أحدهم:

إننا لا نريد أن نكون أتباعاً لأية تجربة في العالم، بل نريد أن نخلق اشتراكية مغربية، أي اشتراكية تحقق المطالب الأساسية في الاشتراكية […] ومع ذلك فنحن لا ننسى أننا شعب مغربي وأن لنا شخصية مغربية تتمثل في التاريخ وفي التراث وفي أشياء متعددة42]).

وستعرف الحركة اليسارية في المغرب تنويعات عدة فيما بعد، قد لا يتسع المجال هنا لتتبع امتداداتها المختلفة، لكنها تبقى – مع ذلك – موحدة على مستوى مراجعها النظرية، المستمدة من الفلسفة الماركسية([42]).

يمكن القول إن هذه الحركة قد شكلت في السبعينيّات رافداً أساسياً لدى النخبة المثقفة، خاصة منها الأجيال الشابة التي كانت تدرس بالجامعات. إذ وجدت في النظرية الماركسية معيناً على فهم الواقع وتحليله، والمطالبة بتغييره. وستشتد هيمنة الخطاب الماركسي بعد نكسة يونيو 1967، بحيث سيعتبرها اليساريون دليلاً ساطعاً على فشل الخيارات الليبرالية والبورجوازية.

د. على المستوى الفكري، يمكن الإشارة إلى السياق الثقافي العام الذي كان يسلم – في ذلك الوقت – بالقدرات التفسيرية والتحليلية للفلسفة الماركسية. وإذا كان الأستاذ عبد الله العروي قد أشار في كتابه “الإيديولوجية العربية المعاصرة” منذ وقت متقدم (النسخة الفرنسية 1967) إلى أهمية تعريب المفاهيم الماركسية، وتقديمها في دراسات عينية حول جوانب متعددة من تاريخنا ووقعنا([43])، فإن بعض المفكرين العرب قدموا مشاريع لقراءة التراث العربي الإسلامي استناداً إلى المرتكزات النظرية للمادية الجدلية. هكذا نعثر في كتابات الطيب تيزيني على ما يسميه »دليل عمل منهجي عام في البحث التراثي«([44])، وهو دليل يعتمد على المادية التاريخية باعتبارها حسب تعبيره »آلة علمية«([45]).

أما حسين مروة، فقد بحث عما يسميه »النزعات المادية« في الفلسفة الإسلامية، منطلقاً في ذلك من نظرة متعصبة للمادية التاريخية باعتبارها »مفتاح الحقيقة كاملة«([46]) على حد تعبيره!

وقد شكلت هذه الشروط الثقافية والسياسية والاجتماعية الخلفية المناسبة لظهور النقد السوسيولوجي بتنويعاته المختلفة. وهكذا سيجد الناقد المغربي في الفلسفة الماركسية المرتكزات النظرية والإجرائية لربط النص بالواقع.

وقد كان النقد المشرقي – في البداية – هو الوسيط في تقديم هذه المرتكزات، وذلك لأن النموذج النقدي المشرقي ارتبط في أذهان النقاد المغاربة – على حد تعبير أحد نقاد المرحلة – »بالوضعية الميثيولوجية للمشرق الذي يثور، ممثلاً في بعض الأسماء: مندور، غالي شكري، محمود أمين العالم، لويس عوض، إلخ. ومع كثرة القراءة، استقرت هذه الأسماء كنماذج في الذاكرة، وفي اللاوعي«([47]).

لذلك لم يكن من الغريب أن نلاحظ – منذ الستينات – حضوراً لبعض مقولات الخطاب السوسيولوجي من قبيل »الواقعية«،» الالتزام«، »الإيديولوجيا«، إلخ. يقول عبد المجيد بن جلون في نص يعود إلى سنة 1966: »إن الغرض من القصة – في نظري – أن تصور في عين القارئ حياة واقعية بكل ما في هذه الحياة من غنى وأصالة«([48]).

كما نجد في هذه الفترة بعض المحاولات للتنظير لمفهوم الواقعية في الأدب. يقول مبارك ربيع:

فالواقعية مهما تعددت مذاهبها وتنوعت في التفاصيل والجزئيات، فإنها على العموم تنزع إلى تصوير الواقع كما هو أو تسير في هذا الطريق […] ومثل ذلك يقال عما تفرع عن الواقعية، كالواقعية النقدية التي لا تهتم فقط بتصوير الواقع، بل تنقده وتعمل لإصلاحه بطريقة إنسانية شاملة([49]).

كما يؤكد الأستاذ محمد برادة منذ سنة 1969 دور الأديب في تحمل »المسؤولية للمشاركة في رصد التحولات ودلالاتها والإلمام بالقيم الجديدة واستيحائها، ومعارضة الواقع المتجمد المعرقل لتفتح ونمو قدرات الإنسان وإبراز خاصية تطبع هذا الصنف من الأدباء هي التعبير الواعي الباحث عن التجديد الذي تفرضه اللحظة التاريخية لمواكبة العصر وتطوراته«([50]).

وابتداء من أواسط العقد السابع، سيغدو اتصال الناقد المغربي بالمرجع السوسيولوجي الغربي اتصالاً مباشراً، بعد أن كان للنقد المشرقي – في الستينيّات – دور الوسيط. وثمة شهادات لبعض النقاد المغاربة تؤكد ذلك: فقد تحدث الناقد إدريس الناقوري عن تأثير المصادر السوسيولوجية الغربية في إنتاجه النقدي، فقال:

من الطبيعي جداً أن يكون هناك تلاقح أفكار، وأن نتأثر بما يأتينا من الغرب، وأن نحاول الاستفادة من كل منجزات العلم الحديث والمناهج الحديثة. وبالنسبة لي شخصياً، فقد قرأت أيضاً لبعض أقطاب هذا المنهج، وخاصة منهم ألتوسير وبارت وغولدمان وكنت متأثراً بغولدمان الذي كان أقرب هؤلاء إليّ […] والمحاولات التي قمت بها في هذا الصدد كانت بتأثير من منهج غولدمان وبنيويته. على أنني كنت دائماً أحاول أن أكون علمياً ما أمكن في تطبيقاتي النقدية [!]([51]).

كما يشير في مكان آخر إلى تأثره بكتابات جورج لوكاتش وبتحليلاته للرواية وللقصة القصيرة، وخاصة للرواية الأوربية (الفرنسية والألمانية) ([52]).

ويتحدث أيضاً عن اهتمامه بآراء رونيه جيرار في تحليله لبعض النماذج الروائية وإن كان لم يستجب له – على حد تعبيره – »نظراً لنزعته التجريدية المغلقة«([53]).

ويشير الناقوري – في المصدر نفسه – إلى تجربة إبراهيم الخطيب، ويلاحظ أنه يستمد الكثير من ألتوسير: »فكل المفاهيم التي اعتمدها الخطيب في بعض دراساته […] كان متأثراً فيها بكثير من الإنجازات أو الدراسات أو الكتب التي ألفها ألتوسير«([54]).

أما الأستاذ نجيب العوفي، فقد أشار هو أيضاً إلى استفادته من بعض النقاد أمثال لوكاتش وغارودي وفيشر وغرامشي وطومسون وريتشاردز وأوستن وارين ورينيه ويليك، لكنه أشار إلى أن هذه »الاستفادة تبقى أساساً مرتبطة بالمنهج الجدلي وموظفة له، بل ونابعة منه«([55]).

وإذا كان قد أشار في موضع آخر إلى تعدد مراجعه الفكرية بين التاريخ وعلم الاجتماع وعلم الاقتصاد وعلم النفس وعلم اللغة، فإنه يعتبر »الماركسية اللينينية مرتعاً خصباً لالتقاط معظم هذه المفاتيح واستحصال معظم تلك المعارف«([56]).

وكان لبعض المنابر الثقافية، مثل »اتحاد كتاب المغرب«، مساهمة أساسية في توجيه النقد والأدب عموماً اتجاهاً إيديولوجياً وتحريضياً؛ فقد نظم هذا المنبر سنة 1972 ندوة في موضوع »الثورة الثقافية«، وأشار رئيس الاتحاد يومذاك، عبد الكريم غلاب، إلى دور الثقافة في التغيير، إذ لم يعد معنى الثقافة اجترار الأفكار القديمة أو ابتداع أفكار جديدة في انعزال عن الحياة وعن الشعب الذي يمارس الحياة. وانتهى إلى القول: »إن المشاركة العلمية هي التي تعطي الثقافة طابعها العملي وطابعها الإنساني والأخلاقي معاً«([57]).

كما تحدث عباس الجراري – في الندوة نفسها – عن »الثورة والثقافة والوطنية«. ووصف هذه الثورة بكونها »معركة إيديولوجية تستمد قوتها وروحها من الجماهير، لتخدمها ولتحارب المستغلين والمحتكرين والوصوليين، ولتكشف الحقيقة وتفضح الفساد وتقاوم التزييف والتزوير، ولتصون استقلال الأمة وتحفظ شخصيتها وتذود كرامة المواطنين«([58]).

وهناك عامل آخر له أثره في هيمنة هذا الخطاب النقدي الإيديولوجي، يتمثل في التطور النسبي للصحافة الأدبية، خاصة في شكل ملاحق ثقافية تابعة للصحف الوطنية اليومية مثل “المحور الثقافي” و”العلم الثقافي”… مما أدى إلى ظهور صراع بين الخيارات الفكرية والعقائدية المختلفة، كثيراً ما كانت تأخذ شكل مهاترات ومساجلات ساخنة، لعل أبرزها وأطولها السجال الذي دار أواخر سنوات السبعين بين نجيب العوفي وحسن الطريبق.

ويمكن تكثيف أهم خصائص هذا الخطاب في الخلاصات التالية:

– يستوحي هذا الخطاب أطره النظرية من الفلسفة الماركسية. من هنا نظرته إلى النص الأدبي في إطار علاقته بعناصر خارجية تتجاوز حدوده الأدبية، وتكون هذه العلاقة ذات طابع تماثلي، تستند إلى فكرة مركزية في التصور الماركسي مفادها أن النص الأدبي »يعكس« أو »يماثل« الواقع.

– يركز الخطاب على المضمون الاجتماعي للنصوص الأدبية المدروسة، بصورة تحولها إلى مستودع للإيديولوجيا. هذا الفهم القائم على تصور معياري أدى إلى تغليب آليات القراءة الإيديولوجية الإسقاطية على آليات مساءلة النصوص الأدبية وتحليلها.

– يلغي هذا الخطاب الاشتغال النوعي للوسائط الشكلية والفنية للنص الأدبي، وذلك بتعامله مع الأدب تعامله مع النصوص والوثائق غير الأدبية.

– »يطابق« أو »يماثل« بين التجربة الواقعية في التاريخ، والتجريب النصي في العمل الأدبي، بشكل يلغي بعده التخييلي.

– يركز على الوظيفة السياسية للعمل الأدبي.

ويبدو أنه كان هناك شبه إجماع بين النقاد المغاربة في أواخر سنوات السبعين على تجاوز مفهوم الانعكاس الآلي الذي يجعل من العمل الأدبي مجرد مرآة عاكسة للواقع، بطريقة تبسيطية تلغي الاشتغال النوعي للوسائط الشكلية للعمل الأدبي. ومن المفيد هنا تقديم نص لأحد الأسماء المعروفة بإسهاماتها المتميزة في النقد المغربي الحديث، وهو نص يختزل بصورة مكثفة تجربة النقاد المغاربة مع مقولة »الواقعية«، ويكشف عن التطور الحاصل في التعامل مع هذه المقولة، من طور الانبهار إلى طور المساءلة والنقد. يقول محمد برادة:

إن السياق الذي واكب النشأة والخطوات الأولى كان سياقاً مشدوداً إلى »الواقعية« ودلالاتها الحافة الموحية بالقدرة على التقاط الواقع المغربي المتحول و»تجسيده« و»تصويره« وجعل الرواية – من ثم – أداة من أدوات تغيير الوعي وتغيير طريقة التعامل مع الواقع […] ويكون من الطبيعي في مثل السياق الذي أشرنا إلى بعض عناصره أن ترتدي الواقعية أزياء مختلفة، وأن تلبس معاني ودلالات مختلطة ومسطحة، ابتداء من الوصف الفوتوغرافي إلى التسجيلية التاريخية المرصعة بالأسماء والأحداث. ومن ثم فإن قراءتنا النقدية كانت في الستينيّات وبداية السبعينيّات تنطلق من »الواقع« (كما يتصوره كل ناقد)، فتقرأ العمل الأدبي لتسأل صاحبه: أين هو الواقع في ما كتبت؟ […] وبدأت مرحلة أخرى من خلال مزيد من التعمق في فهم النص الأدبي ومكوناته، […] وعبر الترجمة والتفاعل مع ما تفرزه الساحة النقدية العالمية والعربية، استطاع الخطاب النقدي المغربي أن يعيد النظر في كثير من المفاهيم والمصطلحات والتحليلات، وفي طليعتها علاقة الأدب بالواقع، وعلاقة النص بالإيديولوجيا([59]).

وقد عبر النقاد المغاربة صراحة عن تطلعهم إلى خطاب نقدي جديد، متحرر من سلطة الإيديولوجية، التي هيمنت على النقد الذي كتب ضمن ما أسميناه »الخطاب الإيديولوجي«.

هكذا يرى إبراهيم الخطيب »أن تنمية مفاهيم خاصة بالنقد الأدبي مستمدة بالطبع من النظرية الأدبية للأدب (وليس من سوسيولوجيا أدبية متجاوزة) أو تأويل تاريخي مزعوم لتسلسل الأشكال الأدبية أمر محبوب جداً«([60]).

هذا، في حين يواخذ عبد الله العروي النقاد المغاربة »الذين كانوا يدرسون بكل مناسبة سوسيولوجية المضمون، لم يفكروا لحظة واحدة في رسم – ولو أولي – لسوسيولوجية الشكل«([61]).

ومما ساهم في تداول هذا الخطاب الجديد أن التنظيرات التي كانت تقدم على مستوى الإبداع كانت تسير في اتجاه فك ذلك الارتباط بين النص والتاريخ، وذلك من خلال الدعوة إلى اعتماد الوسائط الجمالية والمركبات التخييلية التي تحمي النصوص الأدبية من التحول إلى خطاب استدلالي. يقول عبد الكبير الخطيبي: »إن التاريخ هو الوحش المفترس للكاتب المغربي«([62])؛ كما ينتقد الرواية المغربية »الملتزمة«، مشيراً إلى ضحالة مادتها الحكائية بفعل – ما سماه – الغول التاريخي. يقول: »الرواية الملتزمة التي سارعت إلى معانقة التاريخ أصبحت في النهاية ضحيته«([63]).

وهذا كله كان يؤشر على حدوث منعطف إبستيمولوجي على صعيد المشهد النقدي المغربي. وهكذا بدأ الخطاب النقدي في المغرب يتجه إلى صياغة بديل نقدي جديد، يحرر الممارسة النقدية من سلطة الإيديولوجيا والسياسة، ويعيد الاعتبار إلى النص بعيداً عن أسر المرجع والقراءات الاختزالية الإسقاطية والمصادرات الإيديولوجية.

3. وهذا التصور الجديد كان يؤشر على تراجع القوة التداولية للخطاب الإيديولوجي، وذلك لفسح المجال لما نسميه “خطاب التجريب”. إذ سيصبح المثقف المغربي في العقد الثامن، وما بعده، مشدوداً أكثر إلى قيم العلم والتقنية والاختبارية، مع نزوع واضح إلى دراسة الظواهر بحسب تشخصها المادي والاستعداد لتوظيف المعرفة العلمية في المجالات المادية وغير المادية، والحرص على النظرة التركيبية والكلية للظواهر والأشياء.

يمكن الحديث عن »امتدادات« خطاب التجريب في النقد المغربي الحديث ابتداء من أواخر سنوات السبعين، حيث بدأت تتبلور تصورات جديدة في مقاربة النصوص الأدبية. وهي تصورات استهدفت بالأساس تحرير الأدب من تبعيته للسياسي والإيديولوجي، وتخليص النصوص من القراءات التبسيطية والاختزالية، وفك الارتباط الحميمي بين النص ومرجعه الخارجي، إلى غير ذلك من القضايا التي كانت تؤشر على التحول الكبير الذي بدأ يتبلور حول مفهوم النقد ووظيفته وعلائقه بالإيديولوجيا.

وقد كان لعامل المثاقفة مع الغرب دور كبير في هذا التحول، سواء من خلال الاتصال المباشر أو من خلال الاعتماد على الوسيط المشرقي. وهذا ما يذكره أحد رواد هذا الخطاب بقوله:

ما حاولنا إنجازه إذن هو أن نقدم بعض الترجمات التي تلقي الضوء على المنهج البنيوي التكويني وعلى المنهج البنيوي وأخرى تتصل بالمنهج التحليل النفسي [كذا] والمنهج السيميائي. جملة من الأساتذة ساروا في هذا الاتجاه وبدأوا يدرسون هذه المناهج بالاستناد مباشرة إلى أصولها ودفع الطلبة إلى قراءة تلك النصوص باللغة الأجنبية. من هنا جاء هذا التحول مقترناً، أيضاً، بعودة عدد من الأساتذة من أوربا والمشرق، وبسعي الكليات إلى اكتساب نوع من المشروعية العلمية. ومن ثم بدأ هذا التدريس يتخذ كخلفية له المرجعيات العلمية لهذا النقد([64]).

يمكن الإشارة هنا إلى الدور الذي قامت به بعض المجلات المشرقية في التعريف بالمناهج الجديدة. أشير- بالتحديد – إلى بعض المقالات التي صدرت مترجمة بمجلة “مواقف”([65])، وهي من المجلات التي كان لها السبق في التعريف بالمناهج الجديدة. كانت هذه المجلة جد مقروءة في المغرب آنذاك.

كما ظهرت بعض الكتب التي تعني بتعريف القارئ العربي بالمدارس البنيوية مثل كتاب “نظرية البنائية في النقد الأدبي” للدكتور صلاح فضل([66])، وكذا كتاب “الأسلوب والأسلوبية نحو بديل ألسني في نقد الأدب” للدكتور عبد السلام المسدي([67]).

وعموماً، يمكن القول إن انتقال النموذج التحليلي البنيوي إلى النقد العربي تم بواسطة ثلاث طرق:

– عرض الكتب والمقالات والنظريات؛

– الترجمة؛

– التنظير([68][69]).

ولا شك في أن هذه المادة المترجمة في المشرق كان يقرأها نخبة من النقاد المغاربة، لكن هؤلاء النقاد سيأخذون بعد ذلك زمام المبادرة للتواصل المباشر مع الثقافة الغربية، بعد أن كان للنقد العربي المشرقي دور الوسيط في إنجاز هذا التواصل. ويعود هذا التحول إلى عوامل متعددة، منها أن المشرق العربي لم يعد يمارس تأثيراً كبيراً في الساحة الثقافية عموماً. ويصدق ذلك أساساً على مصر التي كانت تعيش تداعيات هزيمة يونيو 1967 على جميع المستويات المادية والمعنوية؛ هذا بالإضافة إلى أنها خضعت لاختيارات سياسية واقتصادية بعد سنة 1970 عزلتها نسبياً عن العالم العربي، مما أدى إلى ركود الحياة الثقافية، خاصة مع تعرض المثقفين لشتى أنواع المضايقات، والتي تمثلت أساساً في توقف كثير من المجلات والمنابر الثقافية التي كان لها دور أساسيّ في توجيه الحركة الثقافية في العالم العربي.

كما أن الحرب الأهلية التي عاشتها لبنان لم تعد تسمح لها بالقيام بدور ثقافي متميز. ويمكن إبداء الملاحظة نفسها عن العراق التي حالت حربها مع إيران دون أن تقود الحركة الثقافة في العالم العربي([69]).

هذه الظروف ستجعل الناقد المغربي يعتمد على المرجع الغربي عامة، والفرنسي خاصة، وستكون هذه الفرصة التي سيتخذ فيها النقد المغربي المبادرة لتنويع مراجعه إلى جانب المرجع العربي المشرقي، خاصة بعد ترجمة أعمال الشكلانيين الروس إلى اللغة الفرنسية، إذ ظهرت ترجمات كتب مثل: “نظرية

الأدب. نصوص الشكلانيين الروس”([70]) 1965، و”مورفولوجية الخرافة”([71]) لفلاديمير بروب 1970، و”نظرية النثر”([72]) لشلوفسكي 1973. وسينكب النقاد المغاربة على المرجع الفرنسي دراسة وترجمة، وسيتحدث بعضهم عن »الكتابة بواسطة الغرب«([73]) وأن »الغرب جزء من كياننا الأنطلوجي«([74]). وكان هناك إقرار واعتراف من عدد من النقاد المغاربة بتأثرهم بالغرب. فهذا محمد برادة يصرح بذلك فيقول: »لابد من الاعتراف ونحن على بضع كيلومترات من أوربا، وخاصة من فرنسا… أننا تأثرنا نحن أيضاً وكل الأدب العربي المعاصر بهذه المناهج«([75]).

انصب هذا التواصل المنهجي مع الغرب في البداية على الخطاب البنيوي. وترجمت في هذا السياق عدة نصوص([76]). وأصبح الخطاب البنيوي يحظى بقوة تداولية داخل المشهد النقدي المغربي، خاصة بعد انفتاح المؤسسة الجامعية على المناهج الجديدة، حيث أضحت هذه المؤسسة أشبه ما يكون »بورشة علمية لاختيار وتجريب المناهج وطرائق القراءة والتحليل… وهذا ما جعل الجامعة دالة كبيرة على الحركة النقدية […] ولعل أوضح قرينة على هذه الدالة الجامعية أن جل المشتغلين في النقد والمنشغلين به منذ الانطلاقة النقدية في الستينيّات إلى الآن هم من أساتذة الجامعة وطلابها وخريجيها«([77]).

وكان الإعلام الصحفي من جهته يواكب هذا الانفتاح من خلال ترجمة مقالات لنقاد بنيويين أمثال: بارت، تودوروف، جنيت، إلخ. وأصبحت المصطلحات ذات المرجعية البنيوية مهيمنة على الخطاب النقدي المغربي، مثل: التحليل، الوصف، النسق، البنية، الأدب، إلخ.

وقد خصصت بعض المجلات المغربية أعداداً كاملة لترجمة نصوص لكبار النقاد البنيويين. وأشير على سبيل المثال لا الحصر إلى العدد الذي أصدرته مجلة آفاق (المغربية) بعنوان “طرائق التحليل الأدبي”([78]). وقد تضمن العدد ترجمة لمقالات بعض النقاد البنيويين: رولان بارت، تودوروف، جيرار جينت، ولفغانغ كايزر، جاب لينتفلت، غريماس، فلاديمير كريزنسكي. كما خصصت مجلة “الثقافة الجديدة”([79]) أحد أعدادها لترجمة بعض النصوص النقدية البنيوية.

لكن الخطاب البنيوي ما كان له أن يهيمن على النقد المغربي إلى ما لا نهاية. وإذا كان بعض النقاد البنيويين الغربيين أنفسهم قد مارسوا نوعاً من النقد الذاتي على تجربتهم النقدية من خلال الكشف عن مواطن الخلل والقصور في هذه التجربة، فإن النقاد العرب من جهتهم قد قاموا بنفس العملية. لقد وصف محيي الدين صبحي – أحد مترجِمَيْ كتاب “نظرية الأدب”، النقاد الذين استلهموا الخطاب البنيوي بأنهم »حمقى ومغفلون وناقصو ثقافة«([80]) وأن البنيوية »لم يستفد منها أحد شيئاً«([81]).

وإذا كنا قد أشرنا سابقاً إلى تحمس بعض النقاد العرب لترجمة الكتابات التي تعرف بالبنيوية – مثل كتاب “مفاتيح البنيوية” لجان ماري أزياس([82]) -، فإن بعضهم قد عمل أيضاً على ترجمة الكتب التي كانت تبشر بـ»موت البنيوية«، بعد أن أخذ التفكير في »ما بعد البنيوية« في الغرب طريقه إلى بناء أنساق جديدة. وتكفي الإشارة هنا إلى ترجمة جابر عصفور لكتاب إديث كيروزيل “عصر البنيوية”([83])، وهو عبارة عن تصفية حساب مع الميراث البنيوي.

لقد قدم الخطاب البنيوي عُدَّة منهجية هائلة لدراسة النصوص الأدبية، سواء على مستوى الفرضيات النظرية أو على مستوى الأدوات الإجرائية، لكن اكتفاءه بالتحليل المحايث الذي يجعل النص بنية لغوية مكتفية بذاتها معزولة عن إطارها المرجعي جعله عرضة للاتهام بالقصور.

لذلك كان من الطبيعي أن تبدأ القوة التداولية للخطاب البنيوي في التراجع والتقلص داخل الساحة النقدية المغربية لتفسح المجال لما سميناه »الخطاب الدينامي«، وهو خطاب قائم على نوع من التوليف والحوار بين مناهج متعددة، اعتماداً على تضافرية السيميائيات وتنسيقها المعرفي بين مجالات علمية ومنهجية متعددة.

ويمكن الإشارة هنا إلى الدور الذي اضطلعت به بعض المجلات في التعريف بهذه الاتجاهات، وذلك من خلال عرض نصوص مترجمة إلى اللغة العربية، وهي نصوص تندرج ضمن ما يمكن تسميته تيارات ما بعد البنيوية، القائمة أساساً على نوع من التوليف والتركيب بين حساسيات منهجية مختلفة. هذا الدور قامت به مجلات مثل: مجلة “دراسات أدبية ولسانية”، مجلة « دراسات سيمائية أدبية لسانية”، “عيون المقالات”، “آفاق”، “الزمن المغربي”، “علامات”، “الثقافة الجديدة”، بالإضافة إلى الملاحق الثقافية للجرائد الوطنية([84]).

سبقت الإشارة إلى أننا لا نريد هنا تتبع واستقصاء ما أنجز من ترجمات وتنظيرات، بقدر ما نهدف إلى تقديم صورة عن المسار العام لامتدادات »خطاب التجريب في النقد المغربي الحديث«، وتحديد ملامح »روح العصر« أو »الرؤية للعالم« التي سادت لدى النخبة من النقاد والأدباء. فبخلاف الخطابات السابقة التي كانت قائمة على قيم »الأحادية« و»الإطلاق« و»الإقصاء«، أصبح الخطاب الجديد يبشر بقيم أخرى قائمة على »التعدد« و»النسبية« و»التكامل«، إلخ. وتوصل العديد من النقاد المغاربة إلى اقتناع مفاده:

أن مما يمهد لتطور حقيقي في ساحة النقد الأدبي الراهن هو أن نتعرف على جميع الاتجاهات ليكون الطلبة والباحثون والنقاد على بينة، وليكون القراء أيضاً على بينة. وتستطيع هذه المناهج أن تتعايش وتتصارع وتتنافس من خلال قدرتها على إضاءة النصوص الأدبية، قديمها وحديثها، إضاءة جديدة([85]).

وهكذا سيتحول النقد الأدبي في المغرب من »السكوني« إلى »الدينامي« ومن »المنغلق« إلى »المنفتح«، ومن »البنيوي« إلى »الوظيفي«، ومن الخطاب بصفته أكبر وحدة قابلة للتحليل والوصف، إلى النص بصفته إمكاناً مفتوحاً لتعدد المقاربات والتحليلات.

ويمكن – في الأخير – تحديد أهم سمات خطاب الحداثة والتجريب في ما يلي:

– الجمع بين التنظير والممارسة، مع ميل واضح إلى التأطير النظري للأدوات المفهومية والمصطلحية التي يشتغل عليها النقاد.

– هيمنة نزعة التركيب والتوليف بين المناهج، مع التنبيه هنا على وجود اختلاف بين النقاد من حيث القدرة على الملاءمة المنهجية بين المناهج المتباينة، أحياناً، في منطلقاتها الفلسفية والإبستمولوجية.

– تجاوز القراءات التبسيطية القائمة على »وحدانية المعنى«، والنظر إلى النص الأدبي، باعتباره نصّاً مفتوحاً، قائماً على »لا نهائية« التدليل والتأويل.

– يبقى التوجه العام الذي يحكم هذا الخطاب هو ضبط الآليات التي تحكم صناعة الأدب، والكشف عن البنيات التي تنظم اشتغاله وتداوله وتحولاته.

إلا أن هذا الانفتاح على المصادر المنهجية الأجنبية أفسح المجال لصعوبات متعددة تطبع عملية انتقال المفاهيم النقدية من واقع ثقافي – حضاري يحقق تراكماً كبيراً على مستوى الإنتاج الثقافي والفكري إلى واقع آخر يكتفي – في أحسن الأحوال – بتقبل هذه المفاهيم النقدية واستهلاكها، دون القدرة على المشاركة في إغنائها وتطويرها.

لذلك يمكن القول في ختام هذا البحث إنه آن الأوان للتفكير في صياغة شروط للمثاقفة المنهجية داخل دائرة النقد المغربي الحديث بشكل عام، بهدف الرقي بالممارسة النقدية من مستوى “التمثل” و”التوظيف” و”الاستهلاك” إلى مستوى الاستعارة المفاهيمية المنهجية القائمة على الإبداع والإضافة والتأصيل النظري. ولعل المدخل الأساسيّ لتأسيس مشروع من هذا القبيل هو تجاوز نمط القراءة المنهجية القائمة على توظيف تصور منهجي معين في دراسة الأدب، إلى القراءة الإبستيمولوجية القائمة على مساءلة مختلف القراءات المنهجية التي توظف في تحليل النصوص الأدبية والمقارنة بينها على مستوى أسسها الفلسفية وأدواتها الإجرائية.

[1] ميشيل فوكو، حفريات المعرفة، ترجمة سالم يفوت، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 1986.

[2] صدرت عن دار أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 1988.

[3] صدر عن مكتبة الرشاد، دار الفكر، القاهرة، ط. 1، 1971.

[4] محمد الدغمومي، النقد القصصي والروائي بالمغرب، من بداية الاستقلال إلى سنة 1980، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، موسم 1986-1987، ص. 79.

[5] أحمد زياد، لمحات من تاريخ الحركة الوطنية بالمغرب وقصص أخرى، دار الكتاب، البيضاء، ط. 1، 1973، ص. 54.

[6] أحمد المديني، »الأدب الواقعي ومشروع التحديث في أدب المغرب (البدايات)«، مجلة فكر ونقد، السنة الأولى، عدد 2، أكتوبر 1997.

[7]) محمد عابد الجابري، »إشكالية الأصالة والمعاصرة في الفكر العربي الحديث والمعاصر: صراع طبقي أم مشكل ثقافي«، ضمن مؤلف: التراث وتحديات العصر (الأصالة والمعاصرة)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط. 1، 1985.

[8] لا نستعمل هذا المصطلح هنا في مدلوله الذي يحيل على البنيوية التكوينية، بل نستعمله في معناه العام.

[9] للمزيد من التفاصيل حول هذه الثورات، يمكن الرجوع إلى: علال الفاسي، الحركات الاستقلالية في المغرب العربي، مطبعة الرسالة، الرباط، د. ت؛ عبد الكريم غلاب، تاريخ الحركة الوطنية، دار الثقافة، الدار البيضاء، 1974، ج 1.

[10] محمد عابد الجابري، »يقظة الوعي العروبي في المغرب«، مجلة المستقبل العربي، 1986- 1987، ص. 9.

[11] علال الفاسي، الحركات الاستقلالية في المغرب، المرجع السابق، ص. 166.

[12] يمكن الاطلاع على الوثيقة وأسماء الموقعين عليها في: أبو بكر القادري، الموقعون على وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944، ضمن سلسلة رجال عرفتهم، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط. 1، 2001.

[13] سعيد بن سعيد، »فكرة المغرب العربي والوعي النظري عند الحركة الوطنية المغربية«، جريدة الاتحاد الاشتراكي، الأحد 4 أكتوبر 1987، ص. 4.

[14] انظر تفاصيل ذلك في: أحمد الناصري، الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى، تحقيق محمد الناصري وجعفر الناصري، دار الكتب، الدار البيضاء، 1955، ج 8، ص. 86 وما بعدها؛ عبد الرحمان بن زيدان، الدرر الفاخرة بمآثر الملوك العلويين بفاس الزاهرة، المطبعة الاقتصادية، الرباط، 1937، ص. 67 وما بعدها.

[15] عبد الله الجراري، المحدث الحافظ أبو شعيب الدكالي، ضمن سلسلة شخصيات مغربية، العدد 1، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1976.

[16] عبد القادر الصحراوي، شيخ الإسلام محمد بن العربي العلوي، دار النشر المغربية، الدار البيضاء، د. ت.

[17] علال الفاسي، الحركات الاستقلالية في المغرب العربي، المرجع السابق، ص. 137.

[18] محمد عابد الجابري، يقظة الوعي العروبي في المغرب، المرجع السابق، ص. 17.

[19] علال الفاسي، حديث المغرب في المشرق، ط. 1، 1956، صص. 11 – 12.

[20] عبد الله الجراري، من أعلام الفكر المعاصر في العدوتين، مطبعة الأمنية، الرباط، 1971، ج 1، ص. 48.

[21] هو كتاب للشيخ النبهاني، نقلاً عن: الحسن الشاهدي، »التاريخ الأدبي بالمغرب في العصر الحديث«، مجلة دعوة الحق، العدد 5، سنة 1981.

[22] يمكن الرجوع في هذا الإطار إلى: محمد عابد الجابري، أضواء على مشكل التعليم بالمغرب، دار النشر المغربية، الدار البيضاء، د. ت.

[23] انظر لائحة المدارس الحرة المعترف بها إلى السنة الأولى من الاستقلال، في كتاب إبراهيم السولامي، الشعر الوطني المغربي في عصر الحماية (1912-1956)، دار الثقافة، د. ت، صص. 43 – 46.

[24] جماعة من المؤلفين، البرامج والمناهج، من الهدف إلى النسق، مطبعة فضالة، ط. 1، 1990، ص. 31.

[25] محمد بن العباس القباج، »ليس هذا بعشك فازدجري«، مجلة المغرب، عدد 18، أكتوبر 1934.

[26] بول شاوول، علامات من الثقافة المغربية الحديثة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت،
ط. 1، 1979، ص. 6.

[27] حميد لحمداني، النقد التاريخي في الأدب: رؤية جديدة، المجلس الأعلى للثقافة، 1999، ص. 4.

[28] أحمد بوحسن، التقليد وتاريخ الأدب العربي من كتاب: التحقيب (التقليد، القطيعة، السيرورة)، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، سلسلة ندوات ومناظرات، رقم 81.

[29] محمد مفتاح، التلقي والتأويل. مقاربة نسقية، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1994، ص. 101.

[30] انظر تفاصيل ذلك في فصل »عصر التدوين: الإطار المرجعي للفكر العربي« من كتاب الدكتور محمد عابد الجابري، تكوين العقل العربي، المركز الثقافي العربي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط. 4، 1991، ص. 56 وما بعدها.

[31] حبيب المالكي، »رأسمالية الدولة والبورجوازية في المجتمعات التابعة: حالة المغرب«، مجلة المشروع، العدد 1، أبريل 1980، ص. 90.

[32] فتح الله ولعلو، »التغلغل الإمبريالي والاندماج في الرأسمالية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، وتطور التشكيلة الاجتماعية والاقتصادية«، مجلة المشروع، العدد 1، أبريل 1980، ص. 45.

[33] Albert Ayache, Le maroc, éd. Sociales, 1956, Paris, p. 120.

[34] Ibid.

[35] يصدق هذا الوصف على الحكومات الثلاث التي تعاقبت على حكم المغرب بعد الاستقلال: حكومة أمبارك البكاي الأولى والثانية، وحكومة أحمد بلا فريج. (انظر: عبد الرحيم الودغيري، الخفايا السرية في المغرب المستقل (1956-1961)، المطبعة الجديدة، الرباط، ط. 1، 1980).

[36] فتح الله ولعلو، »التغلغل الإمبريالي والاندماج في الرأسمالية وتطور التشكيلية الاجتماعية والاقتصادية«، المرجع السابق، ص. 63.

[37] انظر قراءة نقدية لهذه المخططات في مقالة الدكتور محمد عابد الجابري تحت عنوان: »التجربة التنموية في المغرب (رؤية نقدية) «، ضمن كتابه: المغرب المعاصر، الخصوصية والهوية… الحداثة والتنمية، المركز الثقافي العربي، ط. 1، 1988، ص. 150 وما بعدها.

[38] محمد الحبابي، مستقبل شبيبتنا في أفق الثمانينات، ترجمة محمد برادة، دار النشر المغربية، 1971، ص. 28.

[39] للمزيد من التفاصيل حول انشقاق »حزب الاستقلال« وأبعاده السياسية والاجتماعية، يمكن الرجوع إلى: عبد الرحيم الورديغي، الخفايا السرية في المغرب المستقل (1956-1961)، ص. 182.

[40] الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وثائق المؤتمر الاستثنائي (يناير 1975)، الرباط، ط.2، 1978، ص. 22.

[41] المرجع نفسه، ص. 175.

[42] يمكن الرجوع في هذا الإطار إلى فصل »اليسار في المغرب. محاولة تاريخية جزئية«، ضمن كتاب عبد القادر الشاوي، اليسار في المغرب (1970-1974) تجربة الحلم والغبار منشورات على الأقل، ط. 1، 1992، ص. 49 وما بعدها.

[43] انظر كتابه: الإيديولوجية العربية المعاصرة، ترجمة محمد عيتاني، دار الحقيقة للطباعة والنشر، بيروت، 1970، والجدير بالذكر أن هذا الكتاب كان قد صدر باللغة الفرنسية عن “ماسبرو” سنة 1967.

[44] الطيب تيزيني، من التراث إلى الثورة. حول نظرية مقترحة في التراث العربي، دار ابن خلدون، بيروت، ج 1، ص. 17.

[45] المرجع نفسه، ص. 18.

[46] حسين مروة، النزعات المادية في الفلسفة الإسلامية، دار الفارابي، بيروت، 1978، ج 1، ص. 31.

[47] إبراهيم الخطيب، »عناصر لفهم أزمتنا النقدية«، مجلة الثقافة الجديدة، سنة 1978، عدد 10- 11، ص. 146.

[48] عبد المجيد بن جلون، »في حوار مع محمد مصطفى القباج«، مجلة آفاق، السنة الثالثة، عدد 1 و2، 1966.

[49] مبارك ربيع، »ظلال الرومانسية في قصة “زينب”«، مجلة آفاق، عدد 2، 1967، ص. 86.

[50] محمد برادة، »الأدب المغربي واللحظة التاريخية«، مجلة آفاق، 1969، ص. 5.

[51] إدريس الناقوري، »دفاعاً عن المنهج الاجتماعي«، مجلة الثقافة الجديدة، عدد 9، السنة الثالثة، 1978، ص. 19.

[52] المرجع نفسه، ص. 21.

[53] إدريس الناقوري، »دفاعاً عن المنهج الاجتماعي«، المرجع السابق، ص. 22.

[54] المرجع نفسه، ص. 19.

[55] نجيب العوفي، »المنهج الجدلي. حدود متحركة ولا نهائية«، مجلة الثقافة الجديدة، عدد 9، السنة الثالثة، شتاء 1978، ص. 47.

[56] المرجع نفسه، ص. 46.

[57] عبد الكريم غلاب، »دور المثقف في معركة التغيير«، مجلة آفاق، ربيع 1972، صص. 29 – 30.

[58] عباس الجراري، »الثورة والثقافة الوطنية«، مجلة آفاق، ربيع 1972، ص. 48.

[59] محمد برادة، »أبعاد واقعية في رواية “اليتيم”«، مجلة فصول، عدد 2، يناير – فبراير – مارس 1985، ص. 177.

[60] إبراهيم الخطيب، »عناصر لفهم أزمتنا النقدية الثقافية الجديدة«، مجلة الثقافة الجديدة، عدد 12، سنة 1979، ص. 143.

[61] عبد الله العروي، الإيديولوجية العربية المعاصرة، ترجمة محمد عيتاني، دار الحقيقة، بيروت، د. ت، ص. 218.

[62] عبد الكريم الخطيبي، في الكتابة والتجربة، ترجمة محمد برادة، دار العودة، بيروت، ط. 1، 1980، ص. 78.

[63] المرجع نفسه.

[64] محمد برادة، في رحاب الكلمات، حاوره عثمان الميلودي وبوشعيب شداق، ط. 1، 1997، ص. 12.

[65] من بين النماذج التي يمكن الإشارة إليها في هذا الإطار ما يلي: مقال رولان بارت، »الكتابة بدءاً من الصفر«، مجلة مواقف، عدد 9، 1970؛ مقال تزفتان تودوروف، »الناس – الحكايات«، ترجمة موريس أبو ناظر، تحت عنوان: »ألف ليلة وليلة كما ينظر إليها التحليل البنيوي«، مجلة مواقف، عدد 16، 1971، ص. 135؛ فصلين من كتاب “الإنشائية” لتودوروف، ترجمهما كاظم جهاد تحت عنوان: »الشعرية«، مجلة مواقف، عدد 33، 1978، ص. 122؛ رولان بارت، »مقدمة « كتاب “دراسات نقدية”، مجلة مواقف، عدد 29، 1974، ص. 152؛ الفصل الخامس من كتاب تودوروف، »مقدمة في الأدب الفنطاسي«، ترجمة عبد الرحمن أيوب، مجلة مواقف، عدد 43، خريف 1981.

[66] صلاح فضل، نظرية البنائية في النقد الأدبي، مكتبة الأنجلو المصرية، مطعبة الأمانة، 1978.

[67] عبد السلام المسدي، الأسلوب والأسلوبية. نحو بديل ألسني في نقد الأدب، الدار العربية للكتاب، 1977.

[68] توفيق الزيدي، أثر اللسانيات في النقد العربي الحديث، الدار العربية للكتاب، تونس، 1984، ص. 19.

[69] فاطمة الزهراء أزرويل، مفاهيم نقد الرواية بالمغرب. مصادرها العربية والأجنبية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1989، ص. 39.

[70] T. Todorov, Théorie de la littérature, Texte des Formalistes russes, Seuil, Paris, 1965. 

[71] V. Propp, Morphologie du conte, traduction: M. Derrida, T. Todorov, C. Kalan, Seuil, Paris, 1970. 

[72] V. Chklovsky, Sur la théorie de la prose, Slavia, l’Age d’Homme, Lenvanne, 1973.

[73] إبراهيم الخطيب، »الكتابة بواسطة الغرب«، مجلة أقلام، عدد 5، نوفمبر 1979.

[74] المرجع نفسه، ص. 90.

[75] محمد برادة، المرجع السابق، مجلة الثقافة الجديدة، عدد 9، شتاء 1978، ص. 17.

[76] من بين هذه الترجمات على سبيل المثال لا الحصر الأعمال التالية: نظرية المنهج الشكلي. نصوص الشكلانيين الروس، ترجمة إبراهيم الخطيب، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، ط. 1، 1982؛ فلاديمير بروب، مورفولوجية الخرافة، ترجمة إبراهيم الخطيب، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، ط. 1، 1982؛ رولان بارت، النقد والحقيقة، ترجمة إبراهيم الخطيب، دار الأمان، ط. 1، 1985؛ رولان بارت، درجة الصفر في الكتابة، ترجمة محمد برادة، دار الطليعة للطباعة والنشر، ط. 1، 1981؛ ميخائيل باختين، الخطاب الروائي، ترجمة محمد برادة، دار الأمان للنشر والتوزيع، الرباط، 1987؛ فيليب هامون، سيميولوجية الشخصيات الروائية، ترجمة سعيد بنكراد، دار الكلام، الرباط، 1990؛ جيرار جنيت، خطاب الحكاية (بحث في المنهج)، ترجمة محمد معتصم، عمر حلي، عبد الجليل الأزدي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1996؛ جيرار جنيت، عودة إلى خطاب الحكاية، ترجمة محمد معتصم، المركز الثقافي العربي، بيروت، 2001.

[77] نجيب العوفي، »حاجة النقد إلى نقد«، جريدة أنوال، عدد 10، السنة الثالثة، 1994.

[78] مجلة آفاق، العدد 8 – 9، سنة 1988.

[79] مجلة الثقافة الجديدة، عدد 10 – 11، سنة 1978. وفيه ترجم محمد البكري نصين: الأول لرولان بارت من كتابه “الكتابة في الدرجة الصفر”، والثاني لجاك دريدا بعنوان »البنية، الدليل، اللعبة في حديث العلوم الإنسانية«. كما ترجم مصطفى المسناوي في نفس المجلة نصاً للوسيان غولدمان تحت عنوان: »علم اجتماع الأدب: نظامه الأساسي ومشاكله المنهجية«، إلخ.

[80] جهاد فاضل، أسئلة النقد (حوار مع محيي الدين صبحي)، الدار العربية للكتاب، 1990، ص. 358.

[81] المرجع نفسه، ص. 356.

[82] جان ماري أوزياس، البنيوية، ترجمة ميخائيل مخول، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، 1972.

[83] إديث كيروزيل، عصر البنيوية، ترجمة جابر عصفور، دار آفاق عربية، بغداد، 1985.

[84] يمكن الإشارة – على سبيل المثال لا الحصر – إلى بعض الملفات التي قدمتها مجلة “دراسات سيميائية أدبية لسانية”، منها: ملف حول نظرية التلقي، عدد 7، 1992؛ ملف حول التحليل السميوطيقي، =

= أعداد 2، 3، 4، سنة 1986؛ المناهج، عدد 2، شتاء 1987، ربيع 1988؛ الحدود بين المدارس اللسانية في علاقتها بالأدب، أعداد: 1، 2، 3، سنة 1985-1986…، أغلبية مواد هذه الملفات عبارة عن ترجمات. كما نشير إلى الملف الذي قدمته مجلة آفاق حول نظرية “جمالية التلقي”، عدد 6، سنة 1987.

[85] جهاد الفاضل، أسئلة النقد (حوار مع محمد برادة)، ص. 319.