وجدة: مسارات الذاكرة

نظم مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة يوم الأربعاء 11 محرم 1433/  07 دجنبر 2011،يوما دراسيا في موضوع: وجدة: مسارات الذاكرة”.وكان مناسبة لتكريم عدد من الأسماء الوجدية في مجال الثقافة والرياضة والفن والتعليم والعمل الجمعوي، وأسماء من جيل المقاومة.

اليوم الدراسي افتتحه رئيس المركز الدكتور سمير بودينار بكلمة تناولت مقومات المدينة كمجال حضاري ونسيج اجتماعي يتفاعل فيه العمران مع التاريخ، مؤكدا على أهمية ثقافة الوفاء والاعتراف كتجل من تجليات عبقرية المكان انطلاقا من الروح الإنسانية للتجربة الفردية والجماعية، وفي هذا الصدد، تحدث عن مدينة وجدة كعنوان لتجربة حضارية وإنسانية لامعة في التاريخ، واعتبر هذا اليوم الدراسي اعترافا لبعض الأسماء التي ساهمت بعطاءاتها في بناء ذاكرة وجدة، وأعطى مثلا بالمركز بوصفه ثمرة من ثمار أبنائها الأوفياء.

كلمة اللجنة التنظيمية تناول فيها الدكتور بدر المقري المقاصد المنشودة من هذا اللقاء، ومن بينها صون الذاكرة من النسيان والتحريف، من منطلق أن من لا ذاكرة له لا يعول عليه.

الجلسة الأولى التي ترأسها الدكتور بدر المقري، قدمت مداخلتها الأولى، السيدة ربيعة الطيبي، روت فيها قصتها مع جيش التحرير، حيث التحقت بالمقاومة سنة 1949، من خلال بعض المقاومين من عائلتها، والتزمت منذ ذلك الحين بمساهمة شهرية، كما ساهمت بشراء مسدسين. ورغم المرض وكبر سنها، تحدثت السيدة ربيعة عن تجربتها النضالية بكثير من التفاصيل والأدوار التي اضطلعت بها في وجدة والدار البيضاء، ففضلا عن مساهمتها الشهرية بمبلغ من المال، قامت بأعمال فدائية بكثير من الجرأة والذكاء حيث تم تكليفها بوضع قنبلة بسينما فوكس بالدار البيضاء وأخرى بدرب التازي، ولعبت عدة أدوار حيث أقنعت شخصا بالتراجع عن شهادته ونجحت في إطلاق سراح أحد المقاومين بفضل هذه الوساطة. واضطرت السيدة ربيعة إلى تمثيل دور المتسولة حتى تنجو من الاعتقال. وتطرقت إلى علاقتها بشخصيات معروفة في تاريخ المقاومة المغربية.

المداخلة الثانية في موضوع “الحسبة بمدينة وجدة من خلال تجربة محتسب”، أطرها الأستاذ محمد العربي تحدث فيها عن مفهوم الحسبة عند فقهاء المسلمين وعلاقتها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وضبط أمور العامة والخاصة بميزان الشرع الحنيف. حيث يقوم نظام الحسبة في جوهره على حماية مصالح الناس، وصيانة أعراضهم، والمحافظة على المرافق العامة والأمن العام للمجتمع، إضافة إلى الإشراف العام على الأسواق وأصحاب الحرف والصناعات وإلزامهم بضوابط الشرع في أعمالهم، ومتابعة مدى التزامهم بمقاييس الجودة في إنتاجهم، وكل ذلك يتم بالتنسيق مع الجهات ذات الاختصاص من وزارات ومؤسسات وغيرها. وقد تحدث الأستاذ عن تجربته كمحتسب بمدينة وجدة، مبينا فضل هذه الوظيفة في تجنيب الناس متاعب المحاكم لما يقوم به المحتسب من مساع في فض النزاعات وإصلاح ذات البين وتلطيف الأجواء بين المتخاصمين.

المداخلة الثالثة أطرها الأستاذ محمد حرفي تحت عنوان “مساهمة المدارس الحرة في مواجهة المشروع الثقافي الاستعماري الفرنسي: وجدة نموذجا”، فاستهل حديثه عن المقاومة، موضحا أن معناها لا ينحصر في حمل السلاح فحسب، بل يشمل كل معاني التنظيم والتعبئة والتعليم ونشر القيم والأخلاق، وهذا ما حدا بالحركة الوطنية إلى تأسيس مدارس حرة في فترة الحماية الفرنسية، وقد كان وراء هذه التجربة كل من حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال، وتحدث الأستاذ حرفي عن دور هذه المدارس في الحفاظ على الهوية والدفاع عن القيم الوطنية ونشر العلم والأخلاق، وذكر عددا من هذه المدارس بوجدة والمنطقة الشرقية، مثل “مدرسة النهضة” التي تأسست سنة 1930 بمدينة بركان، ومدارس “العروبة” وزيري بن عطية” و”النجاح” بمدينة وجدة، وساهمت هذه المدارس في التأسيس للمقاومة من خلال تكوين طلبة متشبعين بالقيم الوطنية شاركوا في مظاهرة 16 غشت حيث قاموا بصياغة المناشير ونسخها وتوزيعها، كما تحدث عن دور الطلبة الذين تخرجوا من هذه المدارس في مشروع التعريب مع بداية الاستقلال.

الأستاذ عبد الرحمان المتوكل، قدم قصيدة شعرية تغنى فيها بتاريخ وجدة وحضورها المغربي والمغاربي.

المداخلة الخامسة، جاءت تحت عنوان “فضاءات المعرفة والتكوين والتفتح بمدينة وجدة”، أطرها الأستاذ عبد القادر الواسطي، حيث قدم عرضا حول دار الشباب بمدينة وجدة، ودورها الحيوي في مجال التكوين والتأطير والتعليم كفضاء مواز للمدرسة والجامعة. وتحدث بإسهاب عن مختلف البرامج والأنشطة التي كانت تسهر عليها، من عروض مسرحية ورحلات ومخيمات. كما كانت تقوم بدور تأهيلي للأطفال والشباب من خلال الانخراط في العمل الجمعوي (الفني والرياضي والكشفي..)، والتنسيق بين الجمعيات وإدماج برامجها في مشروع الدار ووضع برامج مع مختلف المؤسسات الموجودة في نفس المحيط.

المداخلة السادسة أطرها الأستاذ والفنان التشكيلي حماد يوجيل في موضوع: “إضاءات تاريخ الفنون التشكيلية بمدينة وجدة”، مستهلا عرضه بالحديث عن الأنشطة الحرفية ذات الطابع التشكيلي، التي اشتهرت بها مدينة وجدة من سراجة ونسيج والصناعات الجلدية، كما تحدث عن البعد الرمزي للصورة. وتمثل وجدة في المشهد المغربي مدينة الريادة في الفن التشكيلي العصري في عهد الحماية، حيث تم تأسيس أول معهد للرسم سنة 1915، وقد ذكر الأستاذ أهم الفنانين الفرنسيين بوجدة ومساهمتهم في نشر هذا الفن عن طريق المعاهد وإقامة المعارض. ومع 1959 برز الجيل الأول من الرسامين الوجديين حيث شاركوا في عرض لوحاتهم في معارض جماعية ومنهم عبد الكريم بشر ومحمد الملحاوي.

الجلسة الثانية ترأسها السيد سمير بودينار، وكانت أولى المداخلات مع الأستاذ محمد بن عبد الله في موضوع: “تجربتي في مركز الدراسات الغرناطية بوجدة”، وبعد نبذة عن علاقته بالتراث الموسيقي الأندلسي والموشحات، تحدث الأستاذ بنعبد الله عن تجربته في ضوء السياسات الثقافية وضوء المراسيم، وعن مركز الدراسات الغرناطية الذي تأسس سنة 1990 بمدينة وجدة، ودوره الإشعاعي المغاربي والعربي واجتهاداته البحثية (ندوات وإصدرارت)، وانتقد غياب النظام المؤسساتي في السياسة الثقافية.

المداخلة الثانية أطرها الأستاذ يحيى بلخو تحت عنوان “عام (البون) بوجدة”، وبعد أن قدم نبذة عن المدينة غداة الحرب العالمية الثانية وفضاءاتها العامة، تحدث انعكاسات الحرب على الوضع الاجتماعي ومظاهر الفقر جراء ندرة المواد الغذائية الأساسية والصابون والألبسة، وتفشي الأمراض مثل التيفوس والجذري وتكاثر الحشرات.

المداخلة الثالثة جاءت تحت عنوان “ماذا تمثل لي وجدة مدينة الألف سنة؟”، أطرها الأستاذ سعيد هادف، حيث تحدث عن وجدة في ضوء تجربته الإنسانية والثقافية، بوصفه وافدا عليها وبوصفها مدينة حدودية ظلت تمثل عمق الذاكرة المغربية الجزائرية.

بعدها قدم الأستاذ أحمد طنطاوي قصيدة زجلية تغنى فيها بالمدينة ونضالها الوطني وبعدها التاريخي والإنساني.

المداخلة الخامسة أطرها الدكتور بدر المقري تحت عنوان: “مقاربة جديدة لتوظيف الصورة في حفظ مسارات الذاكرة الوجدية”، وهي مقاربة، حسب الباحث، ترتكز على قراءة الخطاب البصري الذي تحمله الصورة، وقدم ألبوما من الصور التي تؤرخ للمدينة وتوثق ذاكرتها بدء بسنة 1906، وهي الصور التي تعطي فكرة عن التصميم المعماري والهندسي لوجدة في ذلك الزمن. الصور التي عرضها الباحث تؤرخ لعدد من الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والسياسية، ولعدد من الشخصيات المغربية والجزائرية واليهودية والفرنسية، بعضها مرتبط بأحداث تاريخية، كما قدم شروحات وافية عن المضامين التي تحملها تلك الصور.

كلمة الختام قدمها الأستاذ مصطفى بنحمزة، منوها بالروح التطوعية لأطر المركز، معتبرا المركز وحراكه الفكري هو امتداد لروح التطوع والإحسان التي اشتهر بها أهل المدينة في كل الفترات الحاسمة التي عاشها المغرب، ومؤكدا أن المركز ثمرة تلك الروح ومكسب للمدينة ولكل الفاعلين بها دون ميز. ووصف اليوم الدراسي والتكريمي بملتقى لصلة الرحم بين الفاعلين ولإحياء الذاكرة الجمعية.