المدرسة المغربية وإشكالات تدريس اللغة العربية

نظم مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة، صبيحة السبت 26 نونبر 2011،  يوما دراسيا في موضوع ” المدرسة المغربية وإشكالات تدريس اللغة العربية”. في كلمة المركز، بالجلسة الافتتاحية، تحدث الأستاذ عبد الرحيم بودلال مدير المركز عن وجاهة الموضوع وأهميته في  النقاش حول السياسة اللغوية وواقع اللغة العربية في المنظومات التربوية وإشكالات تدريسها. وفي صدد حديثه عن الهم العلمي الذي أخذه المركز على عاتقه أكد أن هذا اليوم الدراسي يشكل مفتتحا لمشروع يؤسس لانشغال علمي باللغة العربية وإشكالات تدريسها وتعلمها.

المداخلة الافتتاحية لليوم الدراسي، أطرها الدكتور محمد أسليم ، أستاذ بمركز تكوين المفتشين بمكناس، تحت عنوان “الوسائط الحديثة وإشكالية تدريس اللغة العربية بالمدرسة المغربية”، حيث قارب الباحث الإشكالية من خلال ثلاثة محاور:

·        مشكلة تدريس اللغة العربية في سياقها العام المرتبط بالمدرسة عموما

·        اللغة العربية في سياقها الخاص المتمثل في وضعيتها في المشهد اللغوي

·         كيفية تدريس اللغة العربية في المدرسة المغربية.

واستهل الباحث مداخلته بالحديث عن المشاكل التي تعاني منها المدرسة في بلدان العالم جراء الثورة التكنولوجية التي تكتسح حياتنا بسرعة فائقة، والتي بلغت ذروتها مع الانترنيت. وفي غمار هذه التحولات لم تعد المدرسة بؤرة جذب وإغراء للتلميذ والطالب، بعد أن تعددت وسائل الاتصال والتواصل والبحث والتعلم. فالمحيط الاجتماعي غدا أكثر إغراء من المدرسة التي كانت في ما مضى أكثر تميزا عن محيطها. في ضوء هذه التطورات لم تعد المدرسة هي المصدر الأوحد للقيم والمعارف، ولم تعد تتمتع بهذا الامتياز منذ أن ظهر المذياع والتلفزة ثم الطفرة التكنلوجية في مجال الاتصال الرقمي الذي غمر الإنسان في عالم لامتناه من الصورة والصوت والحركة ما أفقد المدرسة بريقها وجعلها عرضة للاستياء والنقد والنفور. وعزز الباحث مقاربته بعدد من الاستشهادات المستقاة من واقع المدرسة والقراءات الفكرية والتأملات الفلسفية لبعض المختصين الذي يدعون إلى مدرسة جديدة تكون هيكلتها عبر علاقات أفقية طالما أن المعارف أضحت ملكا مشاعا ولم تعد حكرا على المدرسة. وضرب الأستاذ أسليم مثلا بالتجربة التي ابتكرها بلد صغير كسنغافورة وحقق من خلالها نجاحا منقطع النظير عبر الإصلاحات الجذرية التي أطلقها سنة 1997.

ومن الإشكالات التي ظلت تعانيها اللغة العربية، يقول الباحث، وجودها ضمن لغات أخرى، يكون المتعلم ملزما بتعلمها في سن مبكرة ما يُصعّب من مهمة المعلم والمتعلم، وقد ازداد الأمر صعوبة بعد أن أضيفت اللغة الأمازيغية، فضلا عن الانفتاح المتزايد للمحلي على العالمي وتعاظم التكنلوجيا الرقمية، وهو ما يتيح للفرد إمكانية كبيرة لتعلم اللغة التي يريد وتفاعل اللغات فيما بينها. في هذا الإطار تحدث الباحث عن وضع اللغة العربية داخل مشهد تتعدد فيه اللهجات في العالمين الواقعي والافتراضي، وتتعدد مستويات اللغة في الإعلام والأدب. وعن عوائق تعلم اللغة العربية، يرى الباحث أن التلميذ ينفر من اللغة الفصحى (الكلاسية والعصرية)، وفي تشخيصه لأسباب وعوامل النفور، تحدث عن المعلم والمقررات والفضاء انطلاقا من مثلث (كتاب- مدرسة – تلميذ).

المائدة المستديرة، التي أشرف على تسييرها الأستاذ عزالدين مزروعي، تضمنت أرضيات أولية للنقاش، باعتبارها منطلقا للمشروع البحثي “إشكاليات تدريس اللغة العربية”، أعدتها الورشات التي اشتغلت على ثلاثة محاور هي: السياسة اللغوية بالمغرب، وتدريس اللغة في المدرسة المغربية، وواقع اللغة العربية في الجامعة المغربية.

المحور الأول أطره الأستاذ فؤاد بوعلي، حيث قدم أرضية للنقاش أعدتها الورشة ، وحددتها في خمسة مداخل:

·        اللغة في خطاب الفاعل السياسي

·        السؤال اللغوي في الخطاب الهوياتي وإشكال الأجرأة-

·        اللغة في الدستور: من الوحدة إلى التعدد-

·        الإشكال اللغوي في المدرسة المغربية: من الميثاق إلى المجلس الأعلى للغات-

·        آفاق التحول اللغوي للمغرب الحديث: توصيات وخلاصات.

ووضعت الورشة محددات لكل محور على المستويين المفاهيمي والإشكالي. وانطلاقا من منظور لساني وسوسيولوجي، يقول الأستاذ فؤاد بوعلي، ليست اللغة أداة للتواصل والتبليغ فحسب. بل هي مناط الوحدة والهوية وتعبير عن السيادة، كما هي وسيلة لتحقيق القوة الحضارية، وفي هذا السياق تحدث عن المشروعين الانكلوسكسوني والفرنكفوني واستراتيجيية كل منهما في ما يتعلق باللغة وعلاقتها بالتوسع والهيمنة، متسائلا عن موقع الدولة المغربية في هذا الصراع ومدى وضوح رؤيتها السياسية في هذا المضمار.

المحور الثاني: “تدريس اللغة في المدرسة المغربية: إشكالات بيداغوجية وديداكتيكية”، وأطره الأستاذ بنيونس السراجي الذي استهل مداخلته بالتساؤل حول الشروط الذاتية والموضوعية للتدريس عامة واللغة العربية خاصة من خلال(الميثاق الوطني للتربية والتكوين- الكتاب الأبيض- تقرير الخمسينية-  البرنامج الاستعجالي – الدراسات الوطنية والدولية حول تعليم اللغات – الاختيارت والتوجيهات الناظمة). وللإجابة عن إشكاليات تدريس اللغة العربية وسبل تجاوزها، اقترحت ارضية النقاش ثمانية مداخل (المدخل السياسي- مدخل البحث العلمي- المدخل البيداغوجي- المدخل الديداكتيكي- المدخل التواصلي/التفاعلي- مدخل التكوين- المدخل التكنلوجي- المدخل الثقافي والاجتماعي والاقتصادي). وحول الإشكاليات المرتبطة بالكتاب المدرسي طرح الباحث جملة من الأسئلة حول المواصفات الاجتماعية والنفسية والمعرفية والتواصلية والبيداغوجية. مؤكدا أن الهدف المتوخى من طرح هذه الإشكاليات هو تعميق التفكير العلمي والبحث المتخصص في موضوع تدريس اللغات وتعلمها.

المحور الثالث: “واقع اللغة العربية في الجامعة المغربية”، وأرضية هذا المحور عرضها الأستاذ محمد وراوي. وقد حصر الباحث القضايا المدروسة:

·        البحث العلمي باللغة العربية

·        البحث العلمي في اللغة

·        مشاكل التدريس باللغة العربية

·        مشاكل تدريس اللغة العربية.

 وقد تطرق الأستاذ إلى جملة من تداعيات الأزمة في الجامعة المغربية، وتحدث عن الكليات غير المتخصصة بتدريس اللغة العربية، حيث تقل الحصص المخصصة لتدريس اللغة العربية في كلية العلوم القانونية والاقتصادية وعدم تمتع أغلب الأساتذة بالكفاءة المطلوبة بينما في كلية العلوم والمدارس التقنية فلاوجود لمادة اللغة العربية إطلاقا. وبخصوص كليات الآداب والعلوم الإنسانية فلا تحظى اللغة العربية في الشعب غير المتخصصة بها إلا بحصص قليلة أما في شعب اللغة العربية وآدابها، فقد سرد الأستاذ لائحة من الملاحظات يمكن إجمالها في

·        ضعف مستوى الطلبة وجهل بعضهم للمبادئ الأولية للغة العربية

·        غياب عادة القراءة وارتياد المكتبات

·        رفض الطلبة للمراقبة المستمرة ونفورهم من إنجاز العروض واكتفاؤهم بما يجود به الأستاذ من مطبوعات وإملاءات

·        عقم مناهج التدريس وغياب الكفاءة لدى بعض الأساتذة

·        حاجة الأساتذة إلى دورات تكوينية.