ندوة: “مظاهر التواصل الحضاري بين الشرق والغرب”

شهدت غرفة الصناعة والتجارة والخدمات على مدى يومين(الأربعاء والخميس 16-17-ماي 2007 )، أعمال ندوة علمية متميزة تحت عنوان :”مظاهر التواصل الحضاري عبر التاريخ، وقد نظمت هذه الندوة من طرف باحثي وحدة تاريخ الإسلام وحضارته بجامعة محمد الأول بوجدة، بتسيق مع المجلس العلمي المحلي ومركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة والجماعة الحضارية.

وقد شارك في هذه الندوة ثلة من الأساتذة الباحثين والمختصين، الذين حاولوا مقاربة هذا الموضوع من جوانب متعددة عبرت عنه غنى المدخلات وتنوعه.

وجدير بالذكر أن التواصل الحضاري عبارة عن تفاعل أفكار الشعوب ببعضها البعض وتجاربها الحضارية. وتكمن قوة الحضارة بمدى تأثيرها وتأثرها بالحضارات الأخرى. ويدل على ذلك الأساليب الفعالة التي اتخذتها في إيصال حضارتها إلى الحضارات الأخرى وهيأت المناخ المناسب في المجتمعات الإنسانية لتقبلها. وهو ما جسدته مداخلات السادة الأساتذة في المحور الأول من محاور الندوة مفهوم التواصل الحضاري كثقافة  إسلامية وقيمة إنسانية، وجسدت مداخلات كل من السادة الأساتذة: ذ محمد البنعيادي في موضوع:”الآخر في الاجتماع الإسلامي: ماهيته ودوائره في القرآن الكريم”  ومساهمة الدكتور محمد منفعة تحت عنوان:” تواصل رسول الله عليه السلام مع النصارى”.

بينما المحور الثاني فقد تمحور أساسا حول تقديم خطاب معرفي بناء كفيل بضمان دائرة حضارية إنسانية، أساسه التواصل واحترام الأخر وخصوصياته إذ في هذا الإطار جاءت مداخلة الدكتور بدر المقري في موضوع :”نحو خطاب تجديدي لقضية التواصل الحضاري”. وكذا مداخلة رئيس مركز الدراسات والبحوث الانسانية والاجتماعية بوجدة الد كتور سمير بودينار حول:” الحوار الحضاري من خلال منظومات القيم”.

بينما حاولت مداخلات المحور الثالث من الندوة رصد مجموعة من مظاهر التواصل الحضاري ومحطاته المختلفة، ومدى إسهام البعثات الدينية والسياسية والتجارية… في ترسيخ أواصر التواصل الحضاري، فكانت مداخلة كل من الدكتور مصطفى نشاط في موضوع:” تجارة الرق بين المغرب وغرب أروربا أواخر العصر الوسيط” ومداخلة الأستاذ  عبد الله بوغوتة تحت عنوان:” مظاهر التواصل الحضاري  المغرب والمشرق من خلال الرحلات  الحجازية المغربية .وكذلك مداخلة الدكتور عبد العزيز غوردو تحت عنوان :” الحرب قناة للتواصل الحضاري  بين ضفتي المتوسط الغربي خلال العصر الوسيط خطاطة للتفكير في الموضوع” .

ومما لا شك فيه أن نراه اليوم من هوة  فاصلة تزداد فجوتها بين الغرب والعالم الإسلامي يوما بعد أخر، ما هو إلا نتاج معطيات التاريخ وتراكمات الواقع المتردي الذي تعيشه الأمة الإسلامية، وأن صيرورة هذا التدني في الفهم السقيم للإسلام مرده إلى العوائق التي ساهمت في انحطاط منظومة المجتمع العربي والإسلامي المعاصر من جراء المد الاستعماري الذي كبل سبل الانعتاق داخل الضمير الحي للمجتمع، كما أن حالة التردي هذه ليست قدراً مفروضاً علينا، لأننا نمتلك مؤهلات الريادة ومقومات النهوض، كما أن حضارتنا أحاطت بزمام المدنية الإنسانية في بعدها العقدي والحضاري، فما دامت رسالتنا عالمية لكل البشرية لماذا تعثر القائمون وتراخوا في تقديم نفائسها ومكنونها إلى العالم؟

 وجدير بالذكر أن التواصل الحضاري الذي نتغياه، وعبرت عنه مختلف التساؤلات والتعقبيات المثارة في الندوة  يتوجه أساسا نحو الانعتاق من ربقة الواقع الذي يسيء إلى تقاليدنا وهويتنا، ويسعى لرد الشبهات والصور المشوشة عن المجتمع العربي والإسلامي، من خلال معرفة الأسس التاريخية والثقافية والحضارية التي أطرت المجتمعات الإسلامية واحترمت الأخر، وذلك في أفق صياغة تواصل بناء كفيل بضمان دائرة حضارية وثقافية إنسانية، وتفوت الفرصة على دعاة الصدام والصراع.

ولاشك أن اختيار “مظاهر التواصل الحضاري بين الشرق والغرب عبر التاريخ” موضوعا للمدارسة إنما يمليه إدراك أهمية البحث العلمي الموضوعي والجاد، ودوره في دعم بنى خطاب معرفي جديد يتسع لمعرفة الهويات الثقافية المختلفة باعتبارها مساهمات في تراث الإنسانية.

ولعل من مقدمات مدارسة هذا الموضوع، الإشارة إلى أن معالجة قضية التواصل الحضاري بين الشرق والغرب لا تتجاوز خصوصية الماضي، ولا تسقط البتة أسئلة الحاضر، أو تتجاوز أفاق المستقبل، وإنما تهدف أساسا لبلورة خطاب معرفي جديد يسع الثقافات المختلفة و يهتم بالمشترك الإنساني.