الإسلام والغرب: أسس التعايش وسؤال الهوية

نظم مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة، بتعاون مع المجلس العلمي المحلي لوجدة ندوة دولية في موضوع: “الإسلام والغرب: أسس التعايش وسؤال الهوية، وذلك يومي الأربعاء والخميس 25-26 محرم 1433 / 21-22 دجنبر 2011، بقاعة المحاضرات بالمركز. وأطر الندوة أساتذة من المغرب والجزائر وألمانيا من أجل إعادة تصميم للعلاقة يبن المسلمين والغرب على أسس تأخذ في الحسبان المساحة المشتركة بين التعاليم السمحة في الإسلام والحريات والحقوق في القانون الغربي، وقد تابع أشغال الندوة بقاعة المحاضرات جمع غفير من الطلبة والأساتذة والمهتمين الذين ساهموا في إثراء النقاش.

وأكدت كلمات الافتتاح، صبيحة الأربعاء، على حساسية العلاقة بين المسلمين والغرب وضرورة ترشيدها على جميع المستويات، انطلاقا من مبدأ الاحترام المتبادل، حيث أكد رئيس المركز، الأستاذ سمير بودينار، على ضرورة الإحاطة المعرفية والعلمية بهذه العلاقة التي تربط مجالين حضاريين ظلا يتفاعلان على مدى العصور، ولا مناص من فتح نقاش حول هذه العلاقة، انطلاقا من مداخل معرفية ومقتربات علمية، تعمل على رفع اللبس عن المفاهيم وسوء فهمها كالهوية والعلمانية وحدود الحريات والحقوق، واختلاف المنظومات القانونية من بلد غربي إلى آخر، وعلاقة الهجرة بالمواطنة الجديدة، ومسألة الحريات الدينية ومجالاتها وحدودها.

كلمة المجلس العلمي المحلي، التي قدمها الأستاذ محمد مصلح، أشارت إلى حرص المجلس ووعيه بأهمية هذه الموضوعات، من منطلق عالمية الإسلام كدين منفتح يرفض الانغلاق وينبذ الصدامية ويجنح إلى الحوار. وإذا كان الإسلام محل إساءة من الآخر الجاهل أو الحاقد، فإنه يعاني أيضا من أذى المنتمين إليه، وهذا ما يجعله هدفا للتيارات اليمينية التي لا تنفك تسعى إلى التضييق على الجاليات الإسلامية.

وتناول الأستاذ عمر آجه في كلمة اللجنة المنظمة، سؤال الاندماج وضرورة مساهمة المسلمين في توفير شروطه، باعتبار أن المسلمين والغرب كليهما يتحمل مسؤولية المشاكل الناجمة عن سوء تدبيرهذه العلاقة، ولأن العقود القادمة ستشهد حضورا متزايدا للمسلمين بالغرب، فإنه من الضروري، على المسلمين،  أن يعملوا على تطوير علاقتهم وحضورهم على مستوى الدور والفعل.

الحاجة إلى تأصيل رؤية إسلامية جديدة

وأكد الأستاذ مصطفى بنحمزة في المحاضرة الافتتاحية للندوة: “تأصيل التعامل مع غير المسلمين”، على ضرورة التقعيد الفقهي والمقاصدي. حيث تحدث في مستهل مداخلته عن التعقيدات التي طبعت علاقة المسلمين بالغرب، واستغرب كيف أن كل الجهود والمساعي لم تسفر عن حل. وفي هذا الصدد تحدث عن انتكاسة المنظومة القانونية في البلدان الغربية كما لو أن التغيرات تسير في اتجاه مضاد للإسلام والمسلمين الذين يجدون أنفسهم على الدوام في وضعية المدافع والمطالب بالإجابة عن أسئلة الغرب على شاكلة (هل يقبل المسلمون برئيس مسيحي في مصر؟) وهذا السؤال يكشف التناقض في النظرة الغربية، مستدلا بما حدث للرئيس الأمريكي أوباما الذي اضطر إلى تبرئة نفسه من انتمائه للإسلام بعد أن حاصرته أطراف بهذه “التهمة”.

كما تحدث الأستاذ عن أسباب الإرهاب والعنف، وأوعز ذلك إلى غياب الثقافة الإسلامية وتهميش دور العلماء، ودعا إلى تحديد المعايير المتعلقة بالأئمة والخطباء الذين اختزلوا الدين في الأدعية الاستفزازية على الغرب والتحريض على مقاتلته، وأكد على ضرورة تأصيل المنطلقات وتصحيح التصورات والمضامين وتجديد الخطاب من أجل إعادة بناء علاقتنا مع الغرب على أسس إسلامية صحيحة، وهنا سرد عددا من الآيات التي تدعو إلى الحوار والتعايش مع غير المسلمين من أهل الكتاب، وعرض جملة من مواقف الرسول عليه السلام وتعامله مع غير المسلمين حتى آخر حياته؛ ومثلما انتقد الأستاذ المتطرفين الغربيين في تحاملهم على الإسلام، انتقد أيضا الخطاب الإسلامي غير المنصف الذي يركز على مساوئ الغرب، وفي هذا الصدد، دعا إلى المعرفة العميقة بمبادئ الإسلام، وأعطى مثلا  بكتاب السير لابن أبي سهل السرخسي، الذي بين فيه سيرة المسلمين في المعاملة مع غيرهم، وكتاب أحكام أهل الذمة لابن قيم الجوزية.

الجالية الإسلامية بالمهجر والبحث عن البدائل

الجلسة الأولى، مساء الأربعاء، أطرها ثلاثة شباب مغاربة من جمهورية ألمانيا الاتحادية، فجاءت أولى المداخلات تحت عنوان: “الهوية وإشكالية الاندماج: المجتمع الألماني نموذجا”، أطرتها الباحثة ختيمة بوراص، مستهلة عرضها بالحديث عن المشاكل التي تعيشها الجاليات الإسلامية بألمانيا، وعلاقتها بالهوية، مركزة على المشاكل السوسيواقتصادية فضلا عن سوء الفهم، ثم سردت جملة من الحلول.

وهكذا تطرقت الأستاذة ختيمة إلى البدايات المؤسسة للمعاهدات والاتفاقيات التي أبرمتها ألمانيا مع البلدان الأوروبية والإسلامية بعد الحرب العالمية الثانية، وكانت أول معاهدة مع المغرب سنة 1963، تنص على استقبال العمال، ولم يكن هدف المغاربة من هذه الهجرة سوى تحسين أوضاعهم ثم الرجوع إلى أوطانهم، لكن مع تغير الظروف وتطور القوانين فضلوا الإقامة، وعملوا على تطوير مهاراتهم المهنية كعمال متخصصين وهذا ما شجع المغاربة مع نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات على الهجرة إلى ألمانيا لطلب العلم، فضلا عن طالبي اللجوء.

وتحدثت الباحثة عن المسلمين بألمانيا، حيث بلغ عددهم أربعة ملايين، كما تحدثت عن الاختلاف بين الجاليات الإسلامية (الأتراك، الإيرانيون، البوسنيون والعرب)، حيث تعالج كل جالية مشاكلها حسب تجربتها ووعيها والإمكانيات التي يوفرها لها بلدها الأصلي. وحول الأطفال المغاربة قاربت مشكلة الاندماج من مدخلها السوسيواقتصادي وانعكاسه على باقي المستويات (اجتماعيا، شخصيا، تربويا وعائليا)، وتطرقت إلى أوجه الاختلاف بين الذين ولدوا بألمانيا والوافدين عليها، لتؤكد أن الضعف اللغوي لدى التلميذ، يمثل أهم العوامل التي تصعب عملية الاندماج  كما يكون سببا في الفشل الدراسي، فضلا عن عجز الأسر المغربية على استيعاب النظام الألماني وضعف الدعم الأسري وضعف كفاءة المربي. وعن الهوية تحدثت عن العائق النفسي لدى فئة المغاربة المتمزقة بين انتماءين، بينما هناك شباب واعون بوضعيتهم ولا يعانون من أزمة الهوية، وهنا تحدثت عن مبادرات الإصلاح، كالعمل على الإدماج المبكر وتعلم اللغة وإشراك الأسر في برامج المؤسسات وتحسيس المسؤولين من خلال الدورات التكوينية.

المداخلة الثانية في موضوع “التعليم الإسلامي والتحديات الجديدة”، أطرها الأستاذ صالح الحمروني الذي افتتحها بما قاله الرئيس الألماني “كرستيان وولف” حين أكد أن الإسلام جزء من ألمانيا الحديثة، بعد ذلك انتقل إلى الحديث عن التعليم الإسلامي في ضوء المادة 7، الفقرة 3 من القانون الأساسي، وبعد أن قدم فكرة عن التعليم الإسلامي في المستويات الابتدائية والثانوية والجامعية، أشار إلى القيم المضافة (حضور الإسلام في المؤسسات التربوية، إدماج العلوم الإسلامية، مشاركة أولياء التلاميذ، الاحتفال بالمناسبات الإسلامية)، وحول التحديات تحدث على سبيل المقارنة بين تركيا والمغرب الذي يحتاج إلى تأكيد حضوره وفق عقليات جديدة واستراتيجية مدروسة، عبر الكفاءات والمؤسسات، فهناك خصاص في الأساتذة وحاجة ماسة إلى ملحق ومركز ثقافيين على غرار تركيا.

الأستاذ عزالدين قريوح الألماني مولدا ونشأة وتعليما، قدم مداخلته باللغة العربية التي تعلمها بطريقة عصامية، تحت عنوان: “الجالية المسلمة وموقفها العام من القانون والدستور”، استنادا إلى دراسات حول موقف المسلمين من العنف والديمقراطية والنظام القانوني، وقد صنف جهات هذه الدراسات إلى فئتين:

فئة هدفها أن تسيء إلى الإسلام من أجل غايات متعددة تقف وراءها جمعيات ومنظمات وأحزاب متطرفة أو تجعل من الإسلام موضوع إثارة من أجل هدف مادي تقف وراءها مؤسسات إعلامية. وهذه الفئة ليست موضوع مداخلتي.

والفئة الثانية هدفها علمي وتمثلها جهات تتسم بالموضوعية والأمانة، وفي ضوء هذه الدراسات، ناقش الباحث القانون الألماني ومواقف الجاليات الإسلامية، وأفضت هذه الدراسات إلى تحديد خمسة مواقف:

–         موقف المسلمين الذين نجحوا في الاندماج.

–         موقف المسلمين المتطرفين، وهم أقلية غير عقلانية ومنغلقة

–         موقف المسلمين التقليديين الذين يعتبرون أنفسم جزء من ألمانيا وفي نفس الوقت يحافظون على خصوصياتهم.

–         المسلمون العلمانيون.

–         موقف المسلمين المستقلين الداعين إلى إسلام ألماني.

وحول النظام الدستوري الألماني، أكد الأستاذ، على أنه مبني على مبدأ احترام الديانات دون ميز، وإجبارية التعليم الديني مع عدم تدخل الدولة في البرامج والمقررات والأساتذة. كما تحدث عن عدالة القانون الجنائي والمدني، ودعا الأئمة ورجال الدين إلى العمل على تسهيل الإندماج وضرورة مساهمتهم في تربية المسلمين على احترام القانون الألماني.

ويوم الخميس، في نفس السياق، تحدث الأستاذ مرزوق أولاد عبد الله من هولندا، وأطر مداخلة تحت عنوان: “المؤسسات المؤطرة لشؤون المسلمين في الغرب: الواقع والمأمول”، حيث قدم عرضا حول تجربته بوصفه أستاذا وفاعلا جمعويا ساهم في مجال التأطير وتأسيس عدد من المؤسسات التربوية، وقد أعطى صورة عن الحراك التربوي والاجتماعي والديني والعلمي، للجالية المسلمة بهولندا ودور المغاربة في الاقتراح والمبادرة وتأسيس المشاريع، وبعد أن قدم لمحة عن التطورات التاريخية للجالية المسلمة بهولندا، تحدث عن دور المساجد في السبعينيات رغم انعدام الامكانيات وضعف التكوين، وكيف أصبح عددها اليوم 500 مسجد تضطلع بعدة أدوار تربوية واجتماعية، وتطرق الأستاذ مرزوق إلى الحديث عن المدارس الإسلامية التي تأسست وفق القانون الهولنديوفي إطار حرية التعليم التي يضمنها الدستور للجميع وبلغ عددها 24 مدرسة. كما تحدث عن الجامعات الحرة والمعهد العالي والمنظمات الإسلامية وجمعية الأئمة، وتضافر الجهود بين هذه الجهات وبين الحكومة ومكونات المجتمع المدني والأحزاب، والعمل على تطوير ملكة النقد الذاتي وتجديد الخطاب ومراعاة السياق والظروف،  كما تحدث عن المعيقات والتحديات، وأبرزها غياب رؤية واضحة وموحدة للجاليات الإسلامية وضعف المستوى الثقافي للأسر المسلمة.

المداخلة الثانية ليوم الخميس، جاءت تحت عنوان: “التعايش الديني في عهد سيدي محمد بن عبد الله من خلال الكتابات الفرانسيسكانية الإسبانية بالمغرب”، أطرها الأستاذ مولاي أحمد الكامون، وقد أشار في بداية عرضه إلى أن الغرب الذي يقصده هو الغرب اللاتيني وليس الأنكلوساكسوني، كما انتقد الفكرة السائدة عن المحطات المؤسسة للعلاقة بين المسلمين والغرب، حيث يرى أن المبادرة لم تكن من الغرب مع نابليون في مصر أو مع الماريشال ليوطي في الجزائر والمغرب بل بدأت قبل ذلك، بمبادرة من السلطان المغربي سيدي محمد بن عبد الله(1710 – 1790) ، الذي لم يأخذ حقه من الدراسات، وحسب الباحث فإن السلطان الذي تميز بسعة ثقافته وعلمه، كان مثالا للمسلم المتنور والمنفتح، كما اشتهر بالتأليف في شؤون الدين والدنيا، وأدرك أهمية العلاقة بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، واجتهد في تجاوز العوائق المتمثلة في البحر والدين واللغة.

فكان أول قرار اتخذه هو إلغاء القرصنة من البحر، وفي هذا الصدد قال الباحث أن رامون لوريدو أشار أنه بهذه المبادرة سبق مؤتمر فيينا الذي أقر إزالة القرصنة. وقد اعتمد الباحث، في عرضه، على كتاب للراهب الإسباني وممثل المنطمة الفرانسيسكانية، رامون لوريدو دياث الذي توفي هذه السنة، وتخصص في التاريخ المغربي الإسباني في عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله.  واعتمد السلطان على الرهبان الفرانسيسكانيين الذين كانوا موجودين بالمغرب، من أجل مد الجسور مع الغرب، وخاصة مع الملك الإسباني كارلوس الثالث.

الإسلام في مرآة الغرب

في الجلسة الثانية، من يوم الخميس، أطر المداخلة الأولى الأستاذ محمد عبد الحليم بيشي من الجزائر، في موضوع “الغرب الاستعماري في فكر مالك بن نبي”، وبعد أن لامس مفهوم الغرب والانشغال الفكري لمالك بن نبي والمفاهيم التي اشتهر بها مثل (القابلية للاستعمار وإنسان ما بعد الموحدين)، انتقل إلى الحديث عن صورة الغرب كما رسمها مالك بن نبي في رحلته الفكرية منذ إصداره الأول “شروط النهضة” سنة 1947، وقد ركز على الجانب السلبي في تاريخ الغرب ونفسيته، فالغرب في نظر مالك بن نبي، يقول الأستاذ بيشي، استعماري واستعلائي واستغلالي ومضلل، وكلما كان خارج أرضه ازداد تجردا من الإنسانية، وتعاظم جشعه ونزعته التخريبية.

وعلى نفس المنوال، في مداخلته “الأسس الفكرية لموقف الغرب من الإسلام”،  تحدث الأستاذ عبد العزيز فارح، عن الحرية والتسامح بالغرب، واعتبر ذلك مجرد ادعاء وليس حقيقة، كما وصف “حوار الأديان” بسلسلة جوفاء، وقال إن التسامح والمحبة في الثقافة الإسلامية حقيقة. واستغرب كيف يطالب الغرب المسلمين بتنقية المدارس والإعلام من ثقافة الكراهية، في حين لايزال إعلامه ومدارسه تقدم صورة مشوهة عن المسلمين. ووصف الغرب بالغطرسة والتحيز ومعداة الإسلام، وقدم أمثلة من التاريخ الصليبي والاستشراقي وتجليات ذلك في ظاهرة العولمة في عصرنا الراهن.

وفي نفس السياق جاءت مداخلة “الغرب وصناعة الإسلاموفوبيا: الإعلام الفرنسي نموذجا”، للأستاذ عبد الكريم بوفرة، الذي استهل حديثه عن خطر الدور الإعلامي لما له من تأثير على المتلقي، على وعيه ووجدانه ومتخيله. وسرد الأستاذ بوفرة عددا من الأسماء الفرنسية، من رجال الفكر والإعلام، وكيفية تناولهم للشأن الإسلامي وجنوحهم إلى تشويه صورة المسلم والتهويل من خطر الإسلام.

وفي نفس الموضوع، جاءت مداخلة الأستاذ حسن عزوزي، تحت عنوان: “المصادر المغذية لإنتاج الصور النمطية السلبية عن الإسلام”، وبعد أن أسهب في الحديث عن المصادر الغربية المؤسسة للصورة السلبية عن الإسلام والخلفية الفكرية المؤطرة لهذا التوجه، تساءل عن الأسباب الكامنة وراء ترسيخ هذه الصورة التي أنتجتها الثقافة القروسطية، وعن الجهات التي تقف وراء ذلك في عصرنا الحاضر؟ ولماذا تعمل على إعادة إنتاج تلك الصورة؟ ويرى أن ما نراه من استهداف للإسلام اليوم ليس عفويا وتلقائيا بل يتم بطرق ممنهجة ومنظمة.

islamg1