المنافسة الجبائية

بقاعة المحاضرات، بمقره “منار المعرفة”، يومي 14 و15 دجنبر 2011؛ نظم مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة، وبالتعاون مع جامعة محمد الأول، ملتقى عالميا، حول “المنافسة الجبائية” أطره نخبة من الباحثين والمختصين من المغرب وفرنسا وبلجيكا والبرتغال، وحضره جمع من الطلبة والأساتذة والمختصين ساهموا بدورهم في إثراء النقاش بأسئلتهم وملاحظاتهم وتجاربهم.

وأكدت كلمات الافتتاح على أهمية الملتقى، على مستوى الموضوع كما على مستوى المؤطرين، ونوهت كلمة جامعة محمد الأول بفعالية تعاونها مع المركز وخصوصية الموضوع، باعتبار النظام الجبائي في طابعه التنافسي يعكس جوهر العولمة في تجلياتها الاقتصادية والمالية بما في ذلك الأزمة المالية التي يعيشها عالم اليوم، وفي نفس السياق جاءت كلمة المركز التي اعتبرت أن الجباية كانت دائما موضوع خوف ورجاء وبالتالي موضوع جدل بين الأمل في توزيع عادل للثروات وخوف من سوء التطبيق الجبائي. وتطرقت كلمة اللجنة التنظيمية إلى العلاقة الجدلية بين الحضارة والانتاج وأهمية ابتكار النظم والآليات التي تجعل الجباية في خدمة التنمية وتجعل من تسديد الضرائب واجبا مقدسا.

المنافسة الجبائية بعيدا عن الدولة: في سياق العولمة

الأستاذ مارتيناز (J C MARTINEZ)، البرلماني الفرنسي سابقا ومستشار الملك الراحل الحسن الثاني، أطر مداخلة في موضوع “المنافسة الجبائية والعولمة”، وقد قدم عرضا حول المنافسة الجبائية بوصفها انعكاسا لسلطة المال والأعمال، تلك السلطة التي لم تأت على بال مونتسكيو، على حد قوله. فهذه السلطة التي تجاوزت السلطات الثلاث ولم تعد تعترف بالحدود، لا تنفك تحمل الدولة بمفهومها القديم على إعادة النظر في مفهوم السيادة. الأستاذ مارتيناز تحدث بإسهاب وبكثير من التفاصيل والأمثلة المجازية، عن “السيادة الجبائية للدولة” و”المجتمع المثالي” و”الشركات المتعددة الجنسيات” والأنماط السياسية للبلدان (الدولة الفدرالية، الدولة الليبرالية، الدولة الجهوية) و”العولمة”، وفي هذا الصدد يرى أن العولمة لا تعترف بالدولة المتمسكة بالحدود، فالشركات الكبرى المتحكمة في الاقتصاد ساهمت في تغيير العالم وهي من يخلق المنافسة، فثمة علاقة جدلية بين الدول والمستثمرين، ففي الوقت الذي يتنافس المستثمرون على الظفر بملاذات جبائية مريحة تتنافس الدول على استقطاب أكبر عدد من المستثمرين. وأكد على أن العالم في حاجة إلى قواعد جبائية مشتركة ويبقى لكل دولة حرية التصرف في إطارها. 

جاك مالارب (Jacques MALHERBE)، الأستاذ الجامعي والمحامي البلجيكي، قدم عرضا حول “المنافسة الجبائية والقواعد الممكن تطبيقها على حوافز الدولة في الاتحاد الأوروبي”، وقد استهل مداخلته بالحديث عن المرتكزات التي تأسس عليها الاتحاد الأوروبي (السوق المشتركة والاقتصاد المشترك المعزز  بالحريات الاقتصادية واحترام السيادة الجبائية لكل دولة)، ثم تطرق إلى القواعد العامة المتعلقة بحوافز الدولة على مستوى القوانين والجهات الداعمة والجهات التي من حقها أن تستفيد وفق ما هو منصوص عليه في القوانين، وأعطى أمثلة عن المساعدات ذات الخصائص الاجتماعية  أوالخاصة بالخسائر الناجمة عن الكوارث الطبيعية أو المساعدات الخاصة بمناطق الجمهورية الفدرالية المتضررة جراء تقسيم ألمانيا، وأخرى تتعلق بنوع من الجهات والمقاولات والأنشطة الإقتصادية، كما تحدث عن دور اللجان والتدابير الجبائية وتطبيق معايير مساعدات الدولة، وفي هذا الصدد تحدث عن ألمانيا ومجالات الامتياز بدون مقابل، وعن موارد الدولة والانتقائية القطاعية بإيطاليا وفرنسا وإسبانيا التي خصها أيضا بالانتقائية الجغرافية (ألفا، روجا، جبل طارق، جزر الأزور)؛ وفي الأخير، حول المنافسة الجبائية الضارة فقد تحدث عن الشركات الدولية المالطية التي لا تحظى بالدعم مقارنة مع الشركات الفرنسية التي تحظى بدعم الدولة.

“الضريبة على القيمة المضافة في المنافسة الجبائية الدولية” هو عنوان المداخلة التي أطرها المحامي الفرنسي،الأستاذ فليب بارن (Philippes BERN)، الذي انطلق من مثال عملي ومبسط لدارة اقتصادية تخضع للضريبة على القيمة المضافة (TVA)، واختار الحذاء كمثال، بدء بصاحب المادة الأولية مربي الماشية، إلى المصنع، إلى بائع الجملة إلى شبه الجملة إلى بائع التجزئة، ليبين أن في نهاية الدارة، عند البيع بالتجزئة بمبلغ 60 يورو، يكون المنتوج تدعم ست مرات بيورو واحد في كل مرة، ما يمثل 10 بالمئة. لذا مهما كانت الدارة الاقتصادية المقترضة، سواء كانت قصيرة أو طويلة، سيتم دائما تسديد   10 ٪  من السعر إلى الخزينة. فلا وجود لتمييز جبائي بين هذه الدارة الاقتصادية وتلك.

المنافسة الجبائية بعيدا عن الدولة : الملاذات الجبائية

الأستاذ عبد القادر تعلاتي، قدم مداخلة في موضوع “المنافسة الجبائية الضارة: الفراديس الجبائية نموذجا”، وأشار في بداية حديثه عن غياب معايير لتحديد مفهوم “الفراديس الجبائية”، ومع أن الكلمة توحي أنها توفر للمستثمر وضعية سعيدة وتريحه من الإجراءات الجهنمية، غير أنه مفهوم لا يتوفر على معنى تقني محدد، وما يميز الفردوس الجبائي هو عدد الشركات التي تفوق عدد الساكنة، كما تحدث، الأستاذ تعلاتي، عن بعض الدول التي توصف بدول الفردوس الجبائي، مثل إمارة ليختنشتاين وإمارة موناكو وأهمية التقيد بمعايير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية(OECD). كما تحدث عن مواصفات هذه الملاذات الجبائية، كالاستقرار السياسي والاقتصادي والسر البنكي والسر المهني وسهولة الإجراءات والمعلومة….

الأستاذ البرتغالي أنطونيو سانطوس (Antonio SANTOS)، قدم مداخلة في موضوع “مفارقات نظام الحوافز الجبائية في الاتحاد الأوروبي: جزر الأزور نموذجا”، واستهل عرضه بتعريف لجهة أزور البرتغالية التي تتشكل من الجزر وتتمتع بحكم ذاتي، وحول نظام المساعدات بخصوص هذه الجهة، تحدث الأستاذ انطونيو عن “موقف المفوضية الأروبية” و”موقف دولة البرتغال” والمعايير المطبقة في هذا الشأن، وفي الخلاصة قدم انتقادا إلى بعض جوانب هذا النظام، باعتبار أن هذا الموقف يحمي اللامركزية غير التماثلية في حالة غياب نظام موحد، ويشجع بشكل غير مباشر بعض الجهات الطامحة لمزيد من الاستقلالا كما يحذر من دساتير الدول الأعضاء، وقد علق على هذا المقف بقوله أن الدول لا تغير دساتيرها بسبب المنافسة الجبائية.

مداخلة الأستاذ البلجيكي، مارك بورجوا (Marc BOURGEOIS)، جاءت تحت عنوان “تأطير المنافسة الجبائية في دولة لاممركزة جبائيا: بلجيكا الفدرالية (الجديدة) نموذجا”، وحول “الدولة اللاممركزة جبائيا”، تحدث عن مفهوم لامركزة الكيانات الجهوية بالمعنى الواسع داخل الدولة المركزية (لامركزة المهارات والنفقات المتعلقة بها والقوانين التنظيمية وعن تمويل هذه النفقات من قبل الكيانات الجهوية بالمعنى الواسع)، وفي هذا الصدد، تحدث عن الاعتمادات الخاصة بالكيانات الجهوية والاستقلالية الجبائية الجهوية، و عن الدولة ذات النظلم الجبائي اللاممركز، تحدث عن بلجيكا الفدرالية وبلجيكا الفدرالية الجديدة، على مستوى الدولة الفدرالية والجماعات البشرية والجهات ثم انتقل إلى المنافسة الجبائية في بلجيكا، واقترح حلولا عاجلة للحد من المنافسة الجبائية الضارة وحلولا أخرى على المدى البعيد.

الأستاذة البرتغالية بالما (C. CELORICO PALMA)، أطرت مداخلتها تحت عنوان “نظام المنطقة الحرة لجزر ماديرا وضبط المنافسة الجبائية”، وانطلاقا من مدخل حول مركز الأعمال العالمي لمديرا، انتقلت إلى الحديث عن النظام وعلاقته بالأعمال الخاصة بالمنافسة الجبائية الضارة ومساهمات المركز في التنمية الجهوية. وقد تطرقت إلى خصائص المنطقة الحرة والفرق بين الفردوس الجبائي والنظام الجبائي التفضيلي بجزر ماديرا.

المنافسة الجبائية من داخل الدولة: الحالة المغربية

حول المغرب، قدم الأستاذ بنيونس بغدادي المدير الجهوي للضرائب، مداخلة في موضوع “الإدارة الجبائية المغربية: استراتيجية مواجهة المحيط التنافسي”، وبدوره وضع الأستاذ بنيونس مقاربته في سياق العولمة، واقترح لعرضه إطارا تنظيميا حدده بعوانين: (تحديث الإدارة العامة للضرائب) و(تحسين نوعية الخدمات)، وتحدث عن الانتقال من التسيير بطابعه الضريبي إلى التتنظيم الوظيفي والمرتبط أساسا بدافعي الضرائب، وفي هذا الصدد، تحدث عن إدارة القرب والتدابير المتخذة في الشأن الإداري على المستوى الوطني والجهوي والولائي (المدراء الجهويون، المسؤولون الجهويون عن الخدمات..،) وحول تحسين الخدمات الخاصة بدافعي الضرائب، تحدث عن تحسين شروط الاستقبال والإجراءت المتخذة في تسهيل التعامل مع الإدارة وتحسين كل ما يتعلق بالجوانب الإدارية والتقنية والقنونية والنظام الجبائي من تبسيط وتخفيض وتحفيز، وتطرق إلى بعض المجالات كالنقل والتصدير والصناعة التقليدية والسياحة والتعليم الخصوصي والعقار والمناطق الحرة، كما قارب المخاطر وإمكانية استباقها من خلال توجهات جديدة في مجال الجباية (المردودية، العدالة، الشفافية والطابع المدني) مع المواكبة والقدرة على التحكم والمراقبة.

الأستاذ محمد بلعوشي، قدم مداخلة في موضوع “الحوافز الجبائية وتنمية الاستثمار بالمغرب”. وإذا كانت مداخلة الأستاذ بنيونس بغدادي ذات صبغة بيداغوجية، على حد تعبير رئيس الجلسة السيد أونطونيو، فإن

مداخلة الأستاذ بلعوشي كانت ذات طابع نقدي. ومكمن الخلل في نظر الباحث يتمثل في كون النظام الجبائي في الممغرب نظام فرنسي، لكنه فقد أصالته لغياب شروط تحققه، وقد أسهب في سرد العوائق التي تحد من دنامية النظام الجبائي وعلاقته بالسياسة التنموية، وتحدث عن تمركز الأنشطة الاقتصادية في محور القنيطرة-الدار البيضاء، والنسيج الاقتصادي غير المتوازن وغموض الفلسفة السياسية، وتحدث عن الحاجة إلى المرونة الإدارية والتسهيلات الجبائية والدعم المالي كما قدم اقتراحات في هذا الشأن.

لم يغفل المنظمون المقاربة السوسيولوجية لموضوع الجباية بوصفه حقلا متعدد الأبعاد يحتاج إلى مقاربات من زوايا شتى، وفي هذا الإطار قدم الأستاذ مصطفى عمروس مداخلة في موضوع “نظرة سوسيولوجية على المنافسة الجبائية”، وتحدث الأستاذ عمروس عن تعدد أوجه الجباية والقطاع غير المنظم وسوسيولوجيا الجباية من منطلق وظيفتها الاجتماعية، كما حلل طبيعة العلاقة بين الرسم الضريبي والتوازن الاقتصادي والاجتماعي، وأطر الأستاذ عبروس مقاربه داخل سياق العولمة وثورات الربيع العربي وانعكاس ذلك على السياسات والخطط الاقتصادية والتنموية.